إلى بعض الزميلات الإعلاميات العزيزات والغاليات، ترى ما مرت غير سنتين كان فيها ذلك الغياب القسري بسبب «الجائحة»، كيف تغيرتن وبالغتن في العمليات من أجل بشرة أكثر نضارة، وصرتن تشبهن بعضكن بعضاً، مثل «زاتة الديمن»، بحيث صعب علينا نحن الذين نعتز بذاكرتنا، ونحفظ عهودنا للأصدقاء أن نميز بينكن، والبعض منكن لولا الحياء لقلنا ما عرفنا فلانة من علانة، إلى أين ذاهبات؟ ترى لكل عمر جماله وألقه وحظوته، كل واحدة منكن تريد العشرين من العمر، والعمر شرد بالعشرين من زمان، والله ولا عليكم مني يمين، أنني حين كنت أسلم على بعضهن كنت أخاف أن يطلق شيء في يدي منهن أو ينفك شيء من الذي ركّبنه في العيادات أو يتدفق شيء من تلك السوائل اللزجة المعبأة في جلودهن، تشعر بأن الجمال صار موحداً، وأن لا ميزة ولا تمايز، ولا غير ولا مغاير، كلهن مثل قطع جبنة «لا فاش كي غي»، وأن جمالهن للحظة ومناسبة، وينتهي مفعوله بعد الفعالية بثلاثة أيام، أتساءل دائماً عن الأوروبيات والعاملات منهن، كيف ينتقلن بين مراحل أعمارهن بلا خوف ولا توتر ولا ضغوطات نفسية من تغير الجسد الإنساني، ولا سماع نصائح صديقات و«صانعات محتوى»، ومستفيدات من الدعاية شبه المجانية لكل شيء في وسائط التواصل الاجتماعي، وأطباء أشبه بالمحجمين الشرهين للمال، الأوروبيات إنْ أجرين عملية تجميل كانت من أجل الأحسن لا الأسواء، وتغير الهيئة والصنعة والسحنة، وعدم معرفة المرأة نفسها في المرآة!
البعض إنْ حضر أي ندوة أو جلسة مناقشة لا بد وأن يعقب، ولا بد أن لديه تعليقاً أو لديه مداخلة «ضرورية» تغني المحاضرة، وتفيد الحضور، نادراً ما تجد شخصاً ينصت بعمق أو يصفق في داخله على المحاضرة، ويثني على المحاضر أو أقلها يقول: آه عجباً لا تعجباً، البعض حين يعطى المايكروفون ويجد نفسه على شاشات العرض والتلفزيون، تجده يقول جملاً لا أفكاراً، لأن رأسه كان معلقاً بالمايكروفون، ونظره مثبت على صورته على الشاشات فتضيع الفكرة وتغلب السكرة، ويسجل حضوراً باهتاً، لم يعجب أحداً إلا هو ذاته.
أسوأ ما في الإعلام الاستعراض الفارغ، استعراض الملابس التي في غير وقتها ولا محلها، استعراض اللغة الجوفاء، استعراض سيرة الذات، وفخر بالمنجزات في غير مطرحها، ولا مطلوب تكرارها، استعراض المعارضة والاختلاف من أجل الشهرة، استعراض المعارف الخارجة عن النص والصياغ، استعراض لفت الانتباه بالأشياء الاستهلاكية، بحيث تطغى الحقيبة على ما في الحقيبة، ويطغى الذي على الرأس على ما في الرأس!
الإعلام لا يقبل جسداً ممتلئاً، ورأساً فارغاً، ويتجاوز عن الجسد من أجل رأس يوزن الجسد، الإعلام يتعب الرأس، ويثقل على الجسد، لكن فرحة المنجز، وصنع الفرق، هما بشارة الإعلام للوطن، وما يمكن به أن يفخر، الإعلام ليس ترفاً، بل خلق واقع من ذهب وجوهر.
الإعلام اليوم.. والجديد، والمستقبل، إعلام يجبرنا أن نتخلى عن عقلية الرقيب الجاهل الذي يتصيد وتصيده الفخاخ، ويجبرنا أن نقبله كتحدٍ يصنع الفارق بين البلدان، بين المتقدم والمتأخر، بين من قبل المبتدأ ورضي به، ونسي الخبر، ولم ينتبه له، الإعلام هو رهان المستقبل الذي يمكن أن يقود السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع، وتبنى عليه الاستراتيجيات، الإعلام خلق سماوات جديدة لا يحدها أفق، ولا يغطيها سقف، الإعلام تفكير العصر والوقت للعبور نحو المقبل والمستقبل، وما بعد أسوار وأسرار الوقت.