في مرحلتها المتألقة، الإمارات تخطو نحو نبوغ الثقافة بوثبات الغزلان إلى النهر العظيم، وتمضي حقباً نحو بتلات تتفتح نهاراً، وتضيء ليلاً، والعطر سماوي، واللون وردي، والانزياح فجر يتدفق وعياً وطنياً وإدراكاً استثنائياً بأهمية الثقافة كونها جذر الشجرة، ونسق الروافد، ممتدة نحو الوجود بحلم زاه لا تنقطع صلاته بالتعالم، بل هو اليد البيضاء ممتدة باتجاه الآخر، والبريق هو معطى ناعماً، سلساً، طيعاً يخطب ود الحياة، وينعم بقريحة الذين رموشهم أقلام حبر، والمقل صفحات تمتلئ بخير الكلام.
هكذا تتفجر ينابيع الصحراء، وتنمو الأزهار البرية عند ضفاف ذاكرة لا تنسى ما نحتته الخطوات على الرمل وما شذبته الأنامل من وريقات الغاف، وهي تحدب من أجل الحياة، وتسكب الرحيق في جداول تسير نحو الأغصان مترعة بالعذوبة.
هذه هي سيرة ذاتية لوطن آمن أن الثقافة هي الجذر وهي السبر، وهي النحر، وهي الصدر، وهي قيثارة زمن لا تحلو فيه الألحان إلا بترنيمة من وجدان شغوف بالحب، لهوف إلى تداخل مع الوجود، الوجود كله، وهذا تاريخ وطن نمت أوراقه وهي تتسلق طيات الشوق مبتهلة لعالم صفا خلده، وتصافى مع نفسه ليسبك جوهره من ذهب الخلاص، ويحبك قماشته من حرير التحرر من ذات متأزمة. وأنا تتوعك بفعل التراكم، والانثيال لذاكرة مأزومة.
اليوم في هذا الوطن نجد الثقافة في الإمارات تحذو حذو النجوم في السماء مضيئة الوجود بنواصع باتت تشكل القناديل التي تملأ المكان والزمان.
اليوم في هذا الوطن الجميل، كل شيء يحفل ببريق التفوق وكل شيء يحتفل بميلاد جديد لنبتة جديدة خرجت من بين ثنايا عشاق مدنفين بالإبداع، يدفعهم العشق للغوص في الخلايا والنخاع، بحثاً عن أغنية جديدة، ونبشاً عن نشيد يعيد التوازن للوجود، ويحفظ الود مع مكونات هذا الوجود.
اليوم الإمارات تسابق الزمن، وهي تؤسس لثقافة جلية، جليلة، تتجلى فيها المعطيات كأنها الأقمار في بطن السماء، وكأنها الأحجار الكريمة في أحشاء الطبيعة.
اليوم في الإمارات باتت الثقافة مهد المبدعين، وسراجهم المنير وخيارهم الصحيح في مختلف الميادين والصعد، وهكذا نشعر بالفخر ونحن نقرأ الصحائب والكتب والتي سجلت في الوعي مساحة واسعة شاسعة، ومدت فروعا، من أزهار، ناخت لها العيون، وهي اليوم لا تبدد وقتاً، بل تسجل للتاريخ المعنى لوطن لم يعد يسبح في مياه راكدة، بل هو يطرق خلجان المحيطات بأجنحة الحرية، وينسج خيوط النجوم في دفاتر التاريخ، والأحلام مستمر في ترتيب أوراقها، وتهذيب، أقلام الزمن.
اليوم في الإمارات تبدو الثقافة، النسق الباسق، الشاهق، المتناسق، المرسوم على وجنة وخد، الموشوم بنضج، وصدق اليوم هو هذا ديدن الثقافة وهي تمضي في الركاب، وقيادات شابة تتبوأ دفة المركب، وتسير بخطوات ثابتة، واثقة، متزنة، رصينة.