عشق المعرفة يتبع المسافر الشغف بالقبض على الأشياء، وخاصة ثقافات وعادات الشعوب، ومثلما للقهوة في معظم المدن طقوسها، وما يرتبط بها من عادات اجتماعية، ورموز وملامح ثقافية متعددة، حتى غدت ثقافة متكاملة بحالها، كذلك الشاي الذي جاء بالتأكيد ثانياً من حيث الريادة، فالقهوة سبّاقة، إلا إذا كان عند الهنود والصينيين كلام آخر، والذي عادة ما يربطون اكتشافه في غاباتهم بفضل النساك والرهبان الذين يتقوون على الصيام بمضغ نباتات الغاب، وإذا ما اتفق الصينيون والهنود على تقديس الشاي، فإنهم يختلفون فيه، وفي طريقة تقديمه، وما يترافق معه، فالهند أكبر بلد منتج للشاي، وشاي الهنود لا يعلى عليه، خاصة إذا ما خلط بالحليب أو الزعفران أو الزنجبيل، فشاي «الكرك، وشاي باني كمبتي»، تخطت شهرتهما بومبي إلى دول الخليج وعدن، ففي الهند يمكنك أن تشرب الشاي في كل مكان حتى على قارعة الطريق، لكن الاستعمار الإنجليزي أعطى للشاي الهندي وقتاً مقدساً، فصار شاي الخامسة مساء «إنجليزياً» بحتاً، وغدا أمراً يُقدّره الجميع خاصة الطبقة الأرستقراطية، ونزلاء الفنادق الفاخرة في العاصمة البريطانية والعاصمة الهندية، قليلاً ما يشرب الشاي بلا حليب في الهند، أو ما نسميه الشاي الأحمر، ويسميه البعض الشاي الأسود، حيث تكاد القارة الهندية تجاوزاً تتشابه في نوعية الشاي وتحضيره من سريلانكا إلى النيبال إلى باكستان وبنغلاديش، ويحبونه بالسكر، والسكر الزائد. 
الصينيون يفضلون الشاي الأخضر ومن دون سكر، ويشرب قبل وجبة الطعام وخلالها وبعدها، وله طقوس تحضير رهيبة وأنواعه عديدة، ومن زهور شتى، أما حالات تحضير الشاي الياباني فهذا إرث عريق، وقد بدأت به اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وضربها بالقنابل النووية، في تحسين صورتها أمام العالم، وتقديم الذات اليابانية الراقية، فلم تجد سفيراً مسالماً ويقبله الجميع مثل الشاي الأخضر «ماتشا وسينشو»، وحفلاته، وطقوس تقديمه والتي تسمى «سادو».
كل البلدان منشطرة بين حب الشاي أو حب القهوة، ما عدا تركيا، والدول التي سبق وأن حكمتها إبان توسعها العثماني، حيث تجد الشاي ينافس القهوة، وكلاهما حاضر للضيف، والشاي التركي معتبر، وتجد المماثل له في العراق وفي إيران، حيث يقدم الشاي المثَوّر على الحطب، على «السماور» إبريق ماء يغلي وشاي يغلي، ويخلطان حسب الرغبة، إما خفيفاً أو معتدلاً «سنغين» وإما غليظاً «طوخ»، ويشرب في «استكانات» شفافة، وتمضغ معه قطع من سكر القوالب، توضع تحت اللسان أو في طرف الفم، وهذه الطريقة موجودة في تركيا وإيران والعراق أما في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية قديماً، فيشربون بنفس الطريقة لكن يستخدمون «سكر نبات» أو سكر عدن أو سكر مكة كما نسميه، أما في بلاد الشام فيحضر الشاي والزهورات والميرمية والمتا المشهورة في أميركا اللاتينية بالطريقة عينها والتي انتقلت مبكراً مع المهاجرين العرب.
بقي الشاي المغاربي «المغرب والجزائر» الذي لا يشبه إلا حاله «أتاي أخضر بالنعناع»، وقد تشربه غليظاً كما هو الحال في الصحراء العربية الكبرى «أتاي صحراوي» في موريتانيا والدول الأفريقية المجاورة حيث يعيش الطوارق، أو ملوكياً يرشف رشفاً يسبقه عطر النعناع إلى الأنف، وفي تونس تختص بتقديم شاي الصنوبر، في مصر والسودان يحضر الشاي الثقيل «حبر أبو فتلة أو كشري»، ويقدم حلواً، أما في دول الخليج، فالشاي بالحليب عادة في الصباح والشاي الأحمر بعد وجبة الغداء والعشاء، ويحضر مع الهيل أو القرنفل «المسمار» أو الزعفران، وفي الشتاء يكون خلاف الشاي بالحليب أو يخلط معه الزنجبيل أو الزعتر أو الحلبة، في حين لم نعرف نكهات الشاي الإنجليزي المختلفة إلا بعد ظهور النفط، لكن يبقى تحضير الشاي بالطريقة القديمة على الحطب، وفي أباريق نتذكرها بألوانها الحمراء والصفراء والزرقاء الملونة والمخططة، جزءاً من حنين لا ينتهي.