- يا آه.. غابت الكمامة، وظهرت الابتسامة، تراه يمكن يصلح عنوان فيلم كوميدي، بس من زمان ما شفنا وجوهنا، بصراحة اشتقنا لها، وين كانت غائبة عنا، هل خبأناها في المرايا، وتركناه هناك، كنا على الدوام مشتاقين للوجوه النضرة المستبشرة، الحمد لله أننا عقّينا البراقع الزرقاء والبيضاء والسوداء، تصدقون مرات كنت أحس أن كل أصدقائي أصبحوا ممرضين على غفلة، لما أراهم وهم بتلك الكمامة الزرقاء، لذا بعض وجوه الربع ما عرفناها يوم شفناها عقب سنتين ونيف، ونيف هو بصراحة اللي بهدل الناس، أكثر من السنتين، حتى صارت وجوههم غبراء، ما صدقنا نبَرّق في وجوه بعض، وتشوف صديقك دون أن تتحزر أنه هو أو هو جارك، سنتان كنا فقط نتطالع بالعيون، ونظل نشَبّه على بعضنا بعضاً، صرنا لا نعرف السمكري من الخباز، من الذي يبيع في البقالة، كلهم «سيم.. سيم، كلهم واحد نمونه»، يا آه.. وداعاً للبراقع، أهلاً بالسفور!
- مرات في واحد يحب يعزم العوائل، ويصرّ على ذلك بإلحاح منقطع النظير، ويحب الجَمْعَة واللمة، ويحب التميليح، وتلقاه «شاجي» عمره، يتجمل ولا يخلي شيئاً ما يحضره، ويكون في ذلك اليوم مثل أم العروس وخالاتها، لكي يفرح معازيمه، ويظلون هم يثنون عليه، ويمدحون كرمه وخُلقه، ويعطونه تلك المكانة التي تزاغي قلبه ولو لحين، وتجعله يجتهد في العزائم المقبلة، هذا الإنسان، تلقاه «متوزي» ببدلة، ولو في الصيف الحار الرطب، ولزماً تكون تلك البدلة بلون رصاصي، رغم أنني لا أعرف لها ضرورة، ولا وجوب للونها ذلك القاتم، مع تلك النظارة الشمسية المذهبة التي تستقر على قمة رأسه، وكأنه نسيها عمداً من القايلة، وكم مسمارين «سيكار» بايت من فصل الشتاء، لزوم الوجاهة الوهمية، ويكثر هو الـ«ون مان شو» ليلتها من الخبيصة والعصيدة حتى يصبح دمه ثقيلاً، ويكاد البعض أن يذمه، ويذم عزيمته، لكنه في الغد، وبعد أول فنجان قهوة، يبدأ يتلوم، ويظل يتصل بالعائلات، ويتأسف لها عن تقصيره غير المقصود، وهو يعرف أنه لم يقصر في أدْناة الدون، لكنه الاعتذار المغلف، ومحاولة تعويضهم بعزيمة جديدة وقريبة لكل تلك الوجوه النسائية التي كانت تلمع في عينيه.
- معليش نحن من الدقة القديمة، وجيل الطيبين، وتعليم المدرس محمود من القدس، وتلاه المعلم عبداللطيف من الأُرْدُن الشقيق، وانضربنا في الطابور الصباحي، ووقفونا على السبورة، وعرّيف الصف كان يُبَلّغ عنا في الصغيرة والكبيرة، وانصرفنا متأخرين، وكتبنا الدرس عشر مرات، وطلبوا منا إحضار ولي الأمر، لكن لا ولي الأمر اهتم، ولا نحن أصررنا كثيراً على حضوره، خوف المعايرة من الزملاء غير المحترمين، بصراحة.. ما تعجبنا كتابة جداً «جدن»، وكثيراً «كثيرن»، ومطلقاً «مطلقن»، ولا أنت «انته»، وأنتِ «انتي»، وشكراً «شكرن»، الحين يمكن أن نسامح في كتابة «ظابط» بدلاً من ضابط، و«ظروري» بدلاً من ضروري، وقلب القاف إلى غين، رغم عدم جوازه من كلتا المدرستين الكوفية والبصرية، لكن من غير المعقول أن نتقبل أحداً يكتب «اللغا» بدلاً من اللغة، هذا إذا بدأ في «يَدّ وخلاب وتحدير أمهات النخل»، وين بنترقع نحن؟