في العقود الأخيرة من الزمان، شاعت فكرة تنمر أولاد الحارة، وصاروا الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، وكذلك المؤسسات العلاجية لأنها معضلة أربكت المربين والمعلمين، والأسر التي ينبت في مزارعها مثل هذه الظواهر الفتاكة، والتي تحول المجتمع في حالة طوارئ، لأن التنمر فكرة عدوانية شرسة تباغت العلاقة بين الأفراد وترسم صورة حالكة، كالحة لا مفر من الاقتراب منها ومحاولة البحث عن علاجها، ولكن على الرغم من تطور المجتمعات الإنسانية، ووجود التكنولوجيا العلاجية المبهرة في مجالات مختلفة، إلا أن التنمر يقف حائلاً من دون العثور على ترياق علاج يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بالنسبة للأفراد الذين يعنيهم العلاج، لأن هذه المشكلة مرتبطة بوشائج اجتماعية، وتشابك رؤى، ومفاهيم، وتربية، وعلاقات إنسانية متشعبة، ومعقدة.
 اليوم ونحن نتابع عن قرب وعن بعد ما يحدث في العالم من تنمر دول، وخروجها عن مسار العلاقات الدولية الصحية، نشعر بالإحباط، حيث هذه السلوكيات المنحرفة لا بد وأن تؤدي إلى عدوى خطيرة تمس الأفراد وبالذات منهم الشباب، والفتية، لأن الشاشات الملونة لا تدخر وسعاً في بث سيول الدماء، والوحوش الحديدية، وهي تطلق جحيمها على منازل الآمنين، وتدمر، وتخرب، وتقتل، وتجرح. هذه مشاهد يومية لا تفارق المخيلة، ولا يمكن للمرء أن يغض الطرف عنها ويصد ويقول يجب أن أنام مستريحاً خالي البال، لأن ما يحدث مذهل، ويهز الوجدان ويوقظ النائم، ويدق أجراس الدهشة في ضميره، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن للبشرية أن تمنع تفشي تنمر المراهقين، وكيف لها أن تنام قريرة العين من دون أن تسمع عن هذا الصبي الذي يقلق حارته، وذاك الصغير الذي يكبد أهله التأنيب، والتوبيخ من قبل الجيران، لأن ابنهم كسر يد زميله في المدرسة، وجرح ساق ابن الجيران، فنماذج التنمر اليوم تقودها دول، ورغم التحضر المدعى، فإن جرائم الاعتداء على الآخر تسير على قدم وساق، ولا رادع يمنع، ولا دافع يردع، لأن الإنسانية ذاهبة إلى العتمة، والضمير البشري يعاني من سبات ذبابة تسي- تسي، ولا حياة لمن تنادي، فعلى الرغم من نصائح المخلصين، وتحذيرات الصادقين من خطورة الوضع الإنساني، فإن المخالب الطويلة توغل في غرس سمومها في جسد الطمأنينة، فتفزعها، وترهقها. وتجعل من حياة البشر غابة متوحشة يسوم فيها القوي الضعيف سوء عذاب، وهذا ما لا يتقبله كل ذي ضمير حي، وكل ذي عقل واع، ويعرف جيداً مدى ما للحروب من كوارث، بشرية وطبيعية، ودمار للحضارة الإنسانية التي تعب الإنسان نفسه في تشييدها، وصناعة مجدها. اليوم نحن بحاجة إلى تدخل الرصانة البشرية لمنع هذا التهور، وصد جرافات الهدم.