بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، دخلت الإنسانية محيط الغزارة في الإنتاج المادي، مما اضطرها الخروج على وشم السمات الحميدة، والذهاب بعيداً عن المناطق الخضراء في الضمير، والجلوس تحت ظلال أشجار عارية من القيم، وكل ما يمت لعلاقة الإنسان بالإنسان. هذه هي سيرة عالم تتشقق قماشته، وتبهت لوحته، ولم يعد قادراً على المكوث في موائل الطمأنينة، ولكن هذا الخروج المباغت ألهب مشاعر دولة الحب، والتسامح، فهرعت لغوث المجتمع الدولي المصاب بالهلع جراء ما لقيه من تراجع في منسوب المشاعر المرهفة، وهذا في حد ذاته، رفع من مستوى المياه الضحلة في صدور الكثير من البشر، ناقصي البصيرة، وجعلهم يبحثون عن مجدهم المتوهم من خلال كره الآخر، وتسديد طلقات الموت في صدره. الإمارات بفضل قيادتها ورؤيتها واسعة الحدقات نهضت باكراً، للتصدي لهذه الظاهرة -المعضلة- وسعت جاهدة لدحر عدوان التطرف عن منازل الناس في كل مكان من هذا العالم، ووفرت كافة الإمكانيات، والقدرات، وجهزت كل الكفاءات البشرية للقيام بدور نشر قيم التسامح، والتعايش بين الشعوب، إيماناً من القيادة بأننا نعيش على أرض واحدة، وهذه هي أمنا الأرض يتوجب علينا جميعاً الحفاظ على مكوناتها، وحماية مخلوقاتها من ضرر الجهلة، والذين انتفخت الأنا في صدورهم حتى صارت طبولاً جوفاء، ليس لها غير الرنين، ولا صدى سوى بتر أطراف الحقيقة، وكسر عظم الحياة بصخرة التزمت، والتعنت، وضياع بوصلة العقل. لهذا قامت الإمارات بواجبها الإنساني، وجندت كل طاقاتها البشرية والمادية من أجل إعادة الفكر الإنساني إلى نصابه الطبيعي، وهو الإيمان بوحدة الوجود، والثقة بأن الإنسانية قادرة على التعايش فيما لو أزاحت عن كاهلها غيمة التعلق بأوهام تاريخية، وصور بصرية مخادعة، سكنت في الضمير لدى بعض الناس. اليوم يتوجب على الجميع التكاتف، من أجل صناعة الفكر البشري من جديد، وإعادة التوازن للمخيلة الإنسانية التي شذت، وانحرف، وأطاحت بالثوابت، وغيرت في معالم الفطرة، منسحبة صوب نزعات أنانية فجة. الإمارات تقود العالم إلى ذلك النهر الصافي، وعلى الجميع سماع سيمفونية الطير وهو يرفع النشيد من أجل وجود لا تتخلله غشاوة، ولا يتسرب في إنائه ماء الضحالة. هذا ما تروم إليه الإمارات، وهذا ما تنشده، وهذا ما تتمناه، مؤمنة بأن توحد العالم حول نقطة أن نكون متحابين هي الهدف، وهي استراتيجية العقلاء في مواجهة الجنون والعصاب القهري.