هذه سيرة وطن، علمته الصحراء كيف يكون منفتحاً، وكيف يخرج من صندوق الذاكرة، إلى فضاء الآخر من دون أن تحده حدود، ولا توقف جواز سفره مطارات، ولا يفكر مواطنه في البحث عن تأشيرة دخول في حقيبته المحمولة على الكتف. وطن تجاوز مراحل الانغلاق، وشارف مواقع النجوم، وطن حلمه أكبر من التضاريس، وأوسع من حدقات الغيمة، وأعظم من أكتاف الجبال الشم، يستطيع اليوم مواطنه أن يعبر مائة وأربع وسبعين دولة، كما تعبر الأنهار مشارب الأرض، وكما تطوف الغيمة المبللة بألطاف العذوبة، وتمضي بالجوانح، والجوارح أهداب عشق، وأشواق عشاق. هذه هي الإمارات اليوم في العالم جناح محبة، وطيف سلام، مما يجعل مواطنها كأنه النسمة ترتاح لها وجنات البلدان وتستريح لها الأفئدة، لأن هذا المواطن ترعاه دولة قامت على التسامح، ونهضت صروحها على الأيمان أن الحياة شجرة، الإنسان هو الذي يضع الثمرات على أغصانها عندما تكون نياط قلبه جداول، وقريحته أنهار محبة، ووئام. لم نجد دولة في العالم نالت كل هذا الرضى، وهذا الحب، سوى بلادنا لأنها بلاد ترعرعت على يدي صاحب الأيدي الكريمة، والروح الشفيفة، زايد الخير، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وعلى إثره تتابع القيادة الرشيدة، خط سير السلف، مستندة بذلك على تاريخ يمتد منذ التأسيس والشمس لا زالت تشرق، وترسل أهدابها إلى حيث تكمن التطلعات، وحيث تكمن الطموحات، بأن نصل إلى الآخر، بأيد بيضاء من غير سوء، وضمائر أنقى من عين الطير، لا تحدنا حدود عن ذلك الطموح الذي زرعه زايد الخير في نفوسنا. هو طموح أن نكون مع الآخر في سرائه وضرائه، يجمعنا به الحب ويؤلف بيننا المصير المشترك، وتضمنا أمنا الأرض، والتي هي الحضن وهي الحصن وهي الابيت الذي يحفظ آمال العائلة الكبيرة الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها. هذا الإيمان وحده الذي جعل الإمارات، متفردة بحب الآخر، منسجمة مع ظواهره وبواطنه، لا تغلق نوافذها، ولا ترفع جدرانها، فحبل الوصل ممدود، تثريه مشاعر بنيت على التسامح، وشيدت أركانها على مبدأ الابتسامة، هي الطريق إلى كمال المجد البشري، وهي بوصلة الوصول إلى آمال شعوب العالم وأمنياتهم، وكلما اتسعت حدقة الأحلام الزاهية، ارتقت الطموحات، وعلا شأنها، وارتفعت أغصان أشجارها. هكذا هي الإمارات بوتقة النبوغ، وبلاغة التعامل مع الآخر، وحصافة الوصول إلى منابع التفاعل، والتواصل. هكذا هي الإمارات، في الوعي الكوني بلد أوراقه الثبوتية، هي سجايا أهله، وعبقرية قيادته، وتاريخ صحرائه الممتد من مرفق يجيد الإمساك بزمام الجياد، إلى جبين صفحاته ناصعة كما هي صفحات ماء الخليج.