من مضار النقل المباشر، والبث الحي لأجهزة الوسائط الاجتماعية والتي ابتلينا بها، بحيث لا تفارقنا لا في الحِلّ ولا في الترحال، ولكثرة المتابعة والمشاهدة، وخاصة من الجانب النسائي المتلقي بشغف ودهشة عجيبة لكل ما يبثه هؤلاء المرسلون، والمكثرون لأشياء بمحتوى، وأشياء كثيرة بلا محتوى، أصبحنا اليوم أسيري هؤلاء، وأسيري أجهزتهم، وما تنفث من غث وسمين، والأكثر أذى اضطرار الرجال إلى تنفيذ متطلبات الزوجة والأولاد، وخاصة في السفر، فالأم تتابع «الفاشينيستا» أم خلخال وساق، وهذه ما يوحي لها، تدخل باب المطعم، إلا وتخرج الآه من بطنها، وعلامات الدهشة والانفعال تبدو على محياها، وترسل جملتها المشهورة والتي بالتأكيد لا تليق بكل مطعم تدخله: «واو.. روعة،  مطعم يجنن، يخبل، وبصراحة.. بصراحة.. بصراحة، أكله واييييد لذيذ، ولا غلطة»! وهات تصوير «درامي وفانتازي»، وموسيقى تهيض المشاعر مع استعراض ذاتي، وتركيز على الساعة والحقيبة والاكسسوار والمكياج، وجزء قليل من النفخ.
تنهض صباحاً شارحاً للعائلة الكريمة برنامج اليوم، بجولة بانورامية للمدينة وزيارة قرى في الجبل، والغداء على طاولة وكراسي وسط مياه الشلالات الجارية، فتلزمك الزوجة المتابعة بشغف بذلك «المول» التجاري الذي يعج بمحلات مشابهة للموجود عندنا في العاصمة، لأنها نصيحة من صديقتها التي زارت المدينة قبلنا، وارّخت لرحلتها السامية على «السناب» وبعدها تجبر على مطعم عملت له دعاية «الفاشينيستا» أم خلخال وساق، ويدعم رأيها أولئك الأولاد البدينون الشرهون، وتضعه في نصف توقيت برنامجك، وبعد زيارة مطعم «الفاشينيستا» أم خلخال وساق، لا المطعم يهبل يخبل، ولا الأكل روعة، ولا كل الأمور بلا غلطة.
وهكذا تمضي أيام الإجازة ونحن كعائلة نتقافز من مطعم يهبل إلى مطعم يخبل، ونحن نقلد المذيعة المتنقلة في الحركات والأكلات وتصوير المختارات والمقتنيات، وإعادة بث على طريقتنا جديد المحتويات، ننتقل من برنامج المساء والسهرة للـ«فاشينيستات»، وننتقل إلى البرنامج الصباحي مع أحد الشباب النضر، هذا ما يخلي حديقة عامة ما يعفد فيها، ولا محلات في المولات ما يمدحها، ولا مقهى يقدم الشاي بالزعفران ما يشيد به وبقعدته التي تُعقد، ويبدو ذلك الشاب أنه نشيط على الدوام، ونظل نحن كأسرة نتبع خطاه، ونمشي على هواه، وقس على ذلك ممن يرافقوننا في أسفارنا، ويتنقلون معنا في ترحالنا، ولا نفتك منهم في ديارنا.
بس أنا الود ودي أن أرى «فاشينيستا» تمتدح متحفاً وطنياً أو تدلنا على فرقة هارمونية ستقيم فعالية في مسرح المدينة البلدي، أي شيء غير المطاعم «الواو»، ومحلات بيع «الجواتي والشنط»، ومحل يبيع «ماركات» بأسعار رخيصة، أشياء فيها فائدة مثل استعراض غاليري فيه لوحات من مختلف المدارس الفنية أو مكان فيه من الحرف التقليدية و«الانتيكات»، أي شيء غير تصوير الورد الكذاب عند الشرفة، وتقول لك: هذا الصباح من «بلكونتي في الكوت دازور»، أو صورة وردة شبه ذابلة تضعها على الطاولة بجانب فنجان شاي، وتكتب لنا: ما أجمل الحياة حين تفتتح صباحها بـ«شاي الورد، وعطر شجرة القيقب»، وتعال أنت الإنسان المتقاعد، والذي عدت مؤخراً من الحج، وتحب المدن التي ترحب بالسياحة العائلية واللحم الحلال، وظل ابحث أنت وعائلتك عن شاي الورد وشجرة القيقب!