وسائط التواصل الاجتماعي مثل صهوة جواد مستأنس لا جامح، الكل يستوطئ ظهره، ويعتلي سرجه، قضايا وطنية ومدعين تجد، فتاوى دينية ومرشدين تجد، طب وطبابة ومحجمين تجد، التعامل بالعملات الجديدة ومروجين تجد، وكله يندرج تحت بند بيع الوهم، وترويج النصب، والمتاجرة بكل شيء دون رأسمال حقيقي، جل تلك الأشياء مضرة بالإنسان، وتعطل عقله وعمله وطاقاته، لكن أكثرها ضرراً تلك التي تهدد صحته ووجوده، ولو تحصون الأدوية المنعوتة لكافة الأمراض في الوسائط الرقمية والوهمية سيطالكم العجب، فمجموعة الأطباء الرقميين ما خلّوا مرضاً عضالاً إلا وأوجدوا له دواء ناجعاً، لا تقولوا مختبرات ألمانيا أو أميركا، فهذه تعجز أحياناً، وتأخذ سنوات لكي تثبت فعالية أي دواء، وتخسر شركات الأدوية المصنعة الملايين على الدراسات والتجارب المخبرية والإنسانية، وجماعة البث المباشر من «السوشيال ميديا»، ما يصدقون أحداً ينعت دواء، وآخر يحلف أنه جربه واستفاد منه أيما فائدة، ويريد أن يعممه على أمة لا إله إلا الله، طالباً الأجر والمثوبة، ولا يكتفي بذلك بل يحملك الوزر إن لم تنشر تلك الفائدة بين المسلمين، مثل الذي يكتم علماً، ومن نشرها جعلها الله في ميزان حسناته.
على منصات التواصل الاجتماعي هناك أطباء مجانيون، ومتبرعون، وناصحون، ومروجون، دواء للبهاق اكتشفه الزاهد، العابد، المتبحر في علوم الدنيا والدين «فضل الله رجاء الله محب الدين» في جبال «الهندوكوش»، ويظهر في الآخر مدرة طين أو تربة لا تضر ولا تنفع، ولكن بعد أن يكون قد روّج لها عبر الوسائط الرقمية والوهمية، ومن خلال عيادته التي على الفضاء الرقمي، وباع ملايين «المضارب» على خلق الله، أما المقويات والمنشطات التي تحمل صور حصان، ورأس ثور، وسم الثعبان، وقرن تيس، وتمثال «أطلس»، فهي الأكثر تداولاً بين أطباء ومرضى المنصات الرقمية، وهذه تجارة رائجة، وكأن كل الناس معطوبون أو جرحى حرب ضروس، وفي النهاية، وحين تحلل تلك المنشطات تلقاها مغرفة عسل، وكركم مطحون، وحلبة، وحبة البركة، وجوز الطيب، على عود قرفة، والناس تصعط مبسوطة، وكأن الواحد تقول غارنّة دهن الدار على الريق، ولا يكتفي بتلك الهزيمة، إنما يحولها إلى انتصارات وهمية، من التي لا يغلبها غلاّب تلايا الليل.
هذا عدا عن الأمراض والأورام التي يكمن شفاؤها في علبة بلاستيكية أو «غرشة فيمتو» فيها سائل مثل «حَلّ الناريل»، وملصق عليها ورقة بكتابة عربية رديئة، «الشفاء بيد الله»، قال إن هذا الإنسان المصنع والناعت لهذا الدواء مؤمن وتقي، وهو يريد أن يسوّق بضائعه البائرة بتلك الجملة الإيمانية، وبذلك السائل «الزقنبوت» الذي يوهم الناس به، لكن ما يغيض في الأمر أن أطباء النصيحة المجانية، ومستشاري الخدمات الصحية الوهمية الذين يمتطون صهوات منصات التواصل الاجتماعي، إذا ما شعر أحدهم بحيسة في البطن ربع إلى بانكوك، وإذا ضاق صدره راح ألمانيا، تماماً مثل ذلك «اللوتي» المداهن الأشر الذي كان يضحك على النساء والرجال بعلاجاته العشبية المُرّة، وتفتفاته في كاسات الماء، وكتاباته للمحو بماء الورد والزعفران، وتسكين آلام مرضاه الجاهلين بحجب وكتب، مزدرياً أدوية الكفار التي كان يقول للرجال والنساء عنها ضاحكاً بسذاجة، إنها تفسد الرجولة، وتقلل الخصوبة، وهو ما يريده الكفار للمسلمين بعدم الإنجاب، والتكاثر بين الأمم، وهو «الهَرم.. الخمام، البخيل يوم ما ورم وانتفخ، تم لايث في أميركا بالشهور، يتعالج عندهم، وعلى حساب زبائنه أو مريديه الرقميين، وكأنهم نسوا ما قاله عن بلاد الكفر، وعن القول، يعالج الناس وهو عليل، قال: بلاد الكفار، لا.. خلّها تفيدك غرشة الخَلّ»!