هو قلعة على ضمير الوطن، هو شامة على خد الحياة، هو هذا الذي تؤمه عقول أحبت الحياة فنقشت على قماشتها وعي العشاق، وسعيهم لبناء ملحمة ثقافية، وتشييد صرح يشير بالبنان إلى خورفكان كمدينة تتكئ على الجبل وتمد النظر عبر البحر إلى الأفق الأبعد. 
عندما وقفت عند الباب الزجاجي اللامع مثل عقول أصحابه، كان الوقت في الساعة السادسة مساء، وكنت أقرأ الوجوه، وأتأمل بريق العيون وكأني جئت فقط لألتقط صورة تذكارية لأصدقاء ثم أغادر المكان، ولكن بعد برهة وجدت نفسي في بهو يؤدي إلى مجلس عمر بفسحته الرائقة، حيث استقر بي المقام لفترة تمت دعوتي للانتقال إلى صالة تفترش الضوء كما تبسط مقاعدها مثل تلاميذ يؤدون واجب الدرس. هنا شعرت بقدسية المكان عندما يؤخذ بعين الاعتبار مدى ما للثقافة من متسع في وعي القائمين على هذا الصرح، ومدى تواكب تلك الثلة الرائقة من بني الوطن الذين تحلقوا حولي وأحاطوني بملء القلوب حباً وشغفاً متعجلين التواصل مع الذاكرة التي جئت بها محملاً بصور، ومشاهد تاريخية عشتها، وكانت فرحاً وترحاً، كانت سغباً وشغباً ولما بدأنا كان لمقدمي الدور البارز والمدهش في كيفية انتزاع الصور من على سبورة الذاكرة، حقيقة شعرت أنني أقوم بإعادة قراءة لذاتي، وترتيب الجمل بالتفصيل، والإسهاب، الممتع بالنسبة لي، فعندما يقابلك شخص تشعر أنه يصطاد الأسئلة بمهارة صياد فذ، تبدو أنت كسمكة بزعانف الفرح والفخر تبدو الحياة بالنسبة لك مثل النهر، في صفائه، ونقائه.
 حقيقة مجلس خورفكان، رواق معرفة يبشر بغد مصابيحه إبداع، وكم هي المؤانسة شيقة جداً في حضرة الشغوفين بالكلمة، العاشقين لجملة تبلل ريق البحر عندما يكون البحر في الوعي هو ذاك الحلم المنسدل على الجفنين كأنه شلال زمن تاريخي عريق بسماته، أنيق بصفاته، رائق بسجاياه. 
في هذا المجلس شعت وجوه، ولمعت عقول، وسطعت شمس ذابت خصائلها على المعاني، وشهب الأفكار، متشعبة في نواصي الفكرة، متسعة حدقتها عند ضفاف الذاكرة المفعمة بوجد ووجود ونجود التفاصيل الغائرة. في هذا المجلس تدفقت جداول، وانهمرت وديان، وساحت أمطار كان لسحابات الحضور مكانة ملهمة، وقدرة فائقة في ترسيخ الثقافة كمنهل، ومنخل، وشوق مذهل حرك المكامن في النفس، واستدعى الحرقة اللذيذة بقوة الحب، وطراوة النهج الذي سلكته كوكبة من أولئك الفتية والفتيات الذين أحاطوا المكان برونق التواصل، ومهارة التداخل، ونبوغ الفهم لمعنى أن يكون للمثقف بيت يحتمي به من شظف الأيام، وتعب الضمير. كان للمجلس رهبة القداسة، وعطر الفراسة لدى أولئك البراعم النابتة في المكان كزهور برية تعبق الحياة بحماسها في خلق واقع إماراتي يتخلق في ذلك المكان مثل أحلام زاهية في عيون الطفولة، مثل أشجار سامقة على ربوات الفرح. 
في هذا المجلس ترتع غزلان المعرفة وتتسع حدقاتها، بصدق وولاء لوطن أحبه أهله فزينوه بقناديل ثقافية رائعة، جعلت منه موطن استنارة حقيقية نفخر بها ونعتز بإنجازاتها، ونعتبر أنفسنا تلاميذ في هذا الفصل الدراسي المهم، ومريدين لسقفه المضاء بالحب أولاً وقبل كل شيء.