عندما تسمع عن جريمة ما في أي بقعة من العالم، ببشاعة ترتعد لها الفرائص، ويهتز الوجدان، تشعر بأن هناك خللاً ما في الجينات النفسية حل كالطير الجارح على الناس، وقوض الإحساس بأهمية أن نعيش من دون سفك دماء ولا إزهاق أرواح، ولا حرق قلوب أمهات، وتمزيق صدورهن. عندما يحدث هذا في مكان ما من العالم، فتيقّن بأن الجفاف العاطفي طاف حول القلوب وانتزع منها الرحمة، وجعل المشاعر مثل نشارة الخشب والقتلة أمواتاً ولكن تأخر دفنهم. 
وإن الحياة ماضية إلى خريف طويل وربما تطول أيامه، بحيث تدفن كل التاريخ الإنساني الجميل تحت ركام غبارها، وتعيث بالوجدان البشري كأنها الضواري في حالة توحشها، وكأنها الطوفان في وقت تهوره، وكأنها الوابل المطري حين تعصر الغيمة ثدي حماقتها. 
هذا يحدث الآن في بقاع مختلفة من العالم، وهذا يتطور نسلاً من فجاجة وينمو في أحشاء المجتمعات كأنه الورم الخبيث.  
هكذا تتجمد مياه القلوب، وتصبح جليداً أصم عندما تقسو القلوب، وتجف منابع العاطفة، وتتصحر تربها، وتصفر أشجارها، وتعجف أعشابها، ويصير الإنسان منشاراً صدئاً، يمزق الفرح، ويحرق السعادة، ويكيد للحياة كيد الظامئين إلى افتراس الأحلام الزاهية، المتشظين كمداً في تحويل الحياة الجميلة إلى غابة شعواء تهيم فيها المفترسات، وتخوض معاركها الدامية من أجل لا شيء، سوى أنها تريد أن تشبع رغبة الأنا في مزيد من التورم، والأنانية، وكراهية الآخر.
مقتل الشابتين في مصر والأردن غيلة، جعلنا نفكر كيف يتحول الإنسان إلى نار حامية لا تبقي ولا تذر عندما يفقد الصواب، وعندما تتأزم روحه بمأزق الأنانية، فلا يرى سوى نفسه، ولا ينظر إلا إلى تحت قدميه، ولا يفكر سوى في اللحظة المسجورة بجمر حقده، وهكذا يتغلب الكره على الحب، ويصير الكائن الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، كائناً بمخالب الحنق والاحتقان، فيتفجر في وجه الآخر ركان شر، ولسان غدر، ولا يملك من وسيلة سوى أنه يفتك بالآخر ومن دون ذنب، هكذا تتغير الجبلة.
وهكذا تتحول إلى مياه مرة، وأمطار حمضية قاتلة. كيف يحدث هذا؟
عندما تسمع عن جريمة نكراء، فاعلم أن وراء هذه الجريمة إنساناً عاش في كنف علاقات إنسانية ممزقة، وحياة أسرية جافة مثل عرجون قديم. فلا تحدث الجريمة لمجرد خلاف عاطفي، أو خسارة حلم ما، بل هي نتيجة مباشرة لمثل هكذا حياة اجتماعية، الأمر الذي يدعونا إلى تحري الدقة في بناء علاقاتنا مع أبنائنا، والعمل على ترطيب وجدانهم بمشاعر لا تخرق الود مهما بلغ التعب في تربيتهم، وترويضهم. المشاعر المرهفة، هي الجداول العذبة التي تروي ظمأ الإنسان، وتنمي عروقه كي يكبر سوياً، ويعيش بلا عقد ولا تراكمات نقص.