تقلص لمجال الرؤية وأرق، إعاقة إدراكية وفقدان حاستي التذوق والسمع، توتر عصبي وخَبل، بالإضافة إلى أعراض ارتجاف بشكل تشنجي وفقدان للأعصاب حد الهيجان.. هذه وغيرها أعراض قد تحصل منفردة، وقد تأتي في بعض الحالات مجتمعة لمن شعر بتلك الرجفة الغريبة داخل صدره نتيجة تعرضه لمرات متكررة لدوي انفجار، وخاصة لمن تكرر لديه سماع أصوات الانفجارات خلال الحروب.
يعود الجنود إلى أسرهم -إن كتبت لهم السلامة- بعد انتهاء مهامهم، معافين جسدياً.. ولكن بعاهات كبيرة مخفية. ومنذ بداية خمسينيات القرن الماضي وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تتوقف الدراسات والبحوث العلمية لسبر أغوار أسباب ذلك، في سعي دؤوب لعلاجه وكذلك الوقاية منه. ومن إحدى وسائل العلاج لتحجيم هذه التداعيات، يلجأ البعض لاستخدام جلسات التشافي بالفن، فيقوم الجنود المصابون بتلك الأعراض برسم (أقنعة وجوه) للتعبير عن أحاسيسهم التي يصعب ترجمتها بالمفردات.
يبدو ما سبق، مقدمة غريبة لمقال، فالموضوع يبدو أنه علمي وبغاية الحساسية، وهو بالفعل كذلك، ولذلك حدث أن نشرت له «مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية» 25 صفحة في عدد لها عام 2015 موضوعاً متكاملاً حوله، غير أن الغريب الذي أود مشاركتكم إياه هو ما حدث بعد النشر، إذ وصلتني رسالة من قارئ يبدي فيها انزعاجه الشديد من هذا العدد، واستهجانه لنشر صور الأقنعة التي رسمها الجنود لأنها «أخافت ابنه».
لقد ترك صاحب الرسالة كل ما يحتويه الموضوع من معلومات قد لا يجدها مجتمعة في مكان آخر بهذه الطريقة والبساطة، وترك الجدوى المعرفية وقصص الجنود وتجاربهم للعلاج، وتداعيات الحروب ومخلفاتها النفسية على الجميع، وترك ما لا يسع المجال لذكره هنا بينما كانت هناك في صفحات المجلة، ليقف عند الرسومات التي تركها الجنود تعبيراً عن الآلام التي يشعرون بها. هكذا يفعل الكثيرون بلا أي وعي عميق بجدوى تصرفاتهم مقابل ما يتركونه من علوم ومعارف وتجارب حقيقية وفرص لحياة أفضل لهم ولأبنائهم.