من كان يتصور من جيل الطيبين أنه في يوم من الأيام سيكون لنا أصدقاء من كل العالم، تجمعنا غرفة افتراضية، أصدقاء وجوههم رقمية، ما قد «خاشمت» واحداً منهم، ولا صافحت أحداً بحرارة، أصدقاء لا تعرف منهم إلا صورة وجوههم أو ما يمكن أن نسميهم «الفيس بوكيين»، وبصراحة.. لا أدري لِمَ أشعر أن كل أصدقاء الـ«فيس بوك» متقاعدون، ودخلوا على لعبة التواصل الاجتماعي بصيغة رضا خجولة، فلا هم قادرون على أن يتقافزوا أمام الهواتف الذكية، ويصوروا كل شيء، بدءاً من فنجان القهوة، وانتهاء بدخول «الجَبّرَه» مثلما يفعل الجيل الجديد وأصدقاؤه وهم يغزون الوسائط الجديدة، «الفيس بوكيون» غير قادرين على أن يتخلوا عن بقية وقار مطلوب، ويحرصون عليه، لذا لديّ قناعة ليست أكيدة أن أصدقاء الـ«فيس بوك» كلهم كبار، وتخطوا الخمسين بسنين، ويذكّرونك دائماً بالذي مضى، وبعضهم ما زال حتى الآن يردد أغاني «طلال مدّاح» التي كنا نسمعها على أشرطة «كاترج» في السيارات الأميركية التي لا تدخل في كراج البيوت الشعبية، تذكرونها، ويذكرها أصدقاء الـ «فيس بوك» بالتأكيد، تلك التي يصعب أن تلف في منعطفات الحارة، وتتراقل في القرقرة، وسائقها تقول راكب حزمية، ما ينشاف داخلها. 
أصدقاء الـ «فيس بوك» لباسهم قديم، وتخطاه العمر أو هم لا يعرضون غير صور بنية قاتمة من سنة «سكّتو»، وأغلبها من زمن «حياة بن سلَيّم»، وشرهته، وفرحتهم بها، مع مقاطع من أغاني محمد عبده القديمة، أصدقاء الـ«فيس بوك»، أجمل أحاديثهم تلك المتعلقة برواتبهم التقاعدية القديمة، بحيث أي خبر لا يعني لهم شيئاً، سوى (ها ما في أخبار عن معاش المتقاعدين؟) ويتشرهون عليك وايد: وين ما شفناك؟ وهم كانوا معزومين عندي قبل خمسة أيام، ولطموا ذيك الصحون بلحومها وشحومها، وهم يتشكون:عندنا ضغط، وسكر، و«يورك أسيد» و«كريسترول» غير مفيد، أصدقاء الـ«فيس بوك»، يا أخي ما أعرف كيف، وليش ما يحبون أصدقاءك على «الإنستغرام» و«السناب شات»؟ تقول: «جنّي وعطبة»، وودك تعرف السبب، يمكن لأنهم أكثر شباباً، وعافيتهم بعدها، ويصورون كل ما يلطمونه من ينشون لين يمسون، لا وينظرون لك نظرة دونية أنك على «الإنستغرام»، ويشعرونك دوماً أنك ما زلت فرخاً صغيراً أو شيبة تتصابى، ويتعجبون من أهل «الإنستغرام»، كم كوب قهوة يشربون في اليوم، ما يحلّون في مقهى إلا وخطفوا على «كابتشينو وكافيه لاتيه»، ويعتقدون أن طلبات القهوة الزائدة من أجل التصوير و«السناب» الذي لا يقربون صوبه، ويعدّونه من بدع المرحلة، وهو شغل حريمات.
أصدقاء الـ«فيس بوك»، ما زالوا طيبين، ويحلفون عليك بالطلاق إلا تقرب عندهم، وما يعترفون بعزايم المطاعم، يقولون: هذه شغيلات تخص أهل «الإنستغرام»، أما نحن أكرم على شاربك، حتى صديقات الـ«فيس بوك» تراهن من ذاك الوطر، مضيرب دهن عود يفرح الواحدة منهن، وعشر تولات عود ترضيها، وودها تحلف برأسك، ترا بعدهن على سلكهن الأوليّ، معتقدات أن نظرة خاطفة من تحت البرقع يمكن أن تجعل الرجل يتكود، ويلازم حظيرة عريشها، إذا بعدهن لين الحين يحبن أغاني «ميحد حمد» القديمة، بس بصراحة لو تقولون لي: من تحب أكثر، أصدقاء الوطر القديم وإلا أصدقاء الحاضر؟ ما بتردد وأقول: ما شيء مثل أهل الأوّل الذين تحولوا إلى أصدقاء الـ «فيس بوك»، ويمكن ما تدوم صداقتهم الرقمية لأن في قادم الأيام ستكون فضاءات افتراضية جديدة وذات أبعاد و«بيكسل» عالي جداً، وقد تكون صورهم مائية ومتحركة.