هي مقامة تستذكر الحال، وما آل إليه المآل خلال السنوات الطوال، كانت من أعوامنا الفارطة، وكيف كنا مغيبين فيها البوصلة والخارطة، سنوات ليتها لا تعد من أعمارنا الهاربة، ولا نشهدها في أيامنا الآتية، كيف كنا، وكيف صرنا، وكيف غيرتنا الجائحة؟ 
اليوم حين نذكر ونتذكر، يخيم علينا الحزن حيناً، وحيناً التندر، وحيناً آخر نتمنى لو نجرّ الربابة، وننشد التأسف والتحسر، ونغني تلك المقامة أو نجتر مُر الكآبة، فما مر علينا شيء عصيب، وما جرى لحياتنا أمر مهيب، اختلط حابل القوم بنابلهم، وضل مشرقّهم ومغربّهم، وتداعت الأمور، وتساوت عندهم خيرها بشرها، حتى احتاج منا الأمر، صادق الدعاء، واحتاج منا طلب الشفاء، واحتاج منا الوقاية، ومحاربة الوباء، هاج الناس وماجوا، وأيقنوا أن الساعة قاربت وهاموا، والكل ينشد النجاة، ويلجأ إلى الخلاء والفلاة، ويسعى هارباً من حتفه نحو حب جمال الحياة، حين شعروا أنهم في سجن كبير أو كمن ألقوا بهم في عمق بئر عتيد، لا أرض تقلّهم، ولا سماء تظلهم، هلك الطارف والتليد، وكسدت التجارة وتبخر المال الأكيد، لا عقار يتحمل ويجمد، ولا أسهم تنفع وتسند، فتبخرت السيولة، وجفت العمولة، وأصبح تعاملنا من بعيد إلى بعيد.
علينا أن نتذكر مقامة الجائحة، وأغنية كورونا وماكرونا: لقاح ولقحتونا، وفحوص وفحصتونا وكمامات ولبستونا، وتعقيم وعقمتونا، واحترازات سفر والزمتمونا، وتباعد وأجبرتونا، الحصن وحصنتونا، ومخاشمة ومنعتونا، وفحوصات العين وما قصرتوا فينا، وصفير الإنذارات وأزعجتونا، وتطعيم صيني وأمريكاني وطعمتونا، والـ «بي سي آر» غصباً وجبراً وما خليتونا، صرنا مثل نسائنا متبرقعين أو مثل الطيور مقرنصين، لا نخرج من دون أن نكون محصنين أو متمترسين، نرى الآخر فيسبقنا الشك، ونجفل إن سعل أو حك، حتى صرنا نؤرخ أيام مصافحة الخال أو العم أو الصهر وابن النسب، كانت تمر الأعياد، بلا فرح ولا عيد ولا عيدية، يمر رمضان بلا طقوس إيمانية ولا عادات اجتماعية.
وصرنا نعرف بعد سنوات التقاعد أننا من الفانين أو ممن تخطى الستين، ومن دخول المولات ممنوعين، حتى انتفخنا من الأكل في بيوتنا، وتعاركنا من ضيقنا وحبسنا مع زوجاتنا، صار الزوج لا يفارق المطبخ، ولا يترك الزوجة تطبخ، وصارت الزوجة ترى زوجها أمامها على غير عادته، ولا عمل له إلا أن يصرخ وينفخ، لا الأولاد درسوا وفهموا عن بُعد، ولا المدارس طلبت تسديد أقساطها من بعد، تدافعت علينا الأمور تدافع الأكَلة على قصعتها، لا التاجر استغفر ربه، وقال: كورونا، ولا المؤجر شكر ربه، وسامح الأسرة، وقال: كوفيد، ولا الكهرباء والماء، قالت: رأفة بالعباد، وظروف «ماكرون»، وما فيه يمرون!