يا جماعة.. ترا نحن مع الناس الواقعيين واقعين في صعوبة تواصل، وسوء فهم، فكيف عاد بالناس الافتراضيين، الذين يفترض بنا نحن لا هم من يجاري ذكاءهم الاصطناعي، ويتواصل معهم بسلاسة، جميل أن يقول الناس الآخرون عنا متقدمين، وجميلة الخدمات المتطورة والذكية التي نشهدها، وجميل أن نسبق بها العالم أو على الأقل نضاهيه في مسيرة التقدم، وهنا.. أود أن أشكر في هذه السانحة «اتصالات»، على المساعِدة الافتراضية في بدالتها، والتي فرضت على الناس من كم سنة، وحتى الآن لم يرتاحوا ولن يرتاحوا معها، لذا رفضوها، لأنها ببساطة تبدو أنها تتبع مدرسة الكوفة اللغوية، والناس من اتباع مدرسة البصرة، لا تفهم علينا أو نحن غير قادرين على التواصل معها بطريقتها التي تفهمها، مرات نقول: يمكن أن تكون «الداتا» المحشوة بها لا تساعدها في تسليك نفسها، وتقديم خدماتها كما ينبغي في الذكاء الصناعي، ومرات نقول: ما أحلى العمالة المنزلية في التفاهم حتى لو كسّرنا اللغة، وابتدعنا دارجة «سر وتعال»، غيْر أن «مساعدة اتصالات الافتراضية» ما أن تبدأ بالقول: «أنا مساعدتك الافتراضية، تفضل»! ونحن ننصت لها بكل أدب جمّ، وكأننا نتكلم مع «وحدة غربتية» أو واحدة خريجة أكاديمية الألسن، فإذا طلبت مثلاً منها رقم مطعم يوصل «الجنعد والقباب» إلى المنازل مجاناً، فترد عليك: هل تريد شققاً فندقية؟ فتقول لها: نعم! بطريقة استنكارية تعجبية، فتفهمه هي بطريقة إثباتية، فترسل لك رقم هاتف شقق فندقية رخيصة، ومرات حين تردد عليك سؤالك، حرصاً منها على الدقة، فتبادرها أنت بطريقة تلقائية بقولك: «ايوه» بدلاً من نعم، فتتخربط المخلوقة، وتظل تردد عليك: «عفواً لم أفهم عليك»، لذا علينا أن ندرب أنفسنا، بدلاً من تدريب الموظفة الجديدة.
بعض الشباب الذين يحبون «البر والمزيون» يتفدونها، وهذا لا يجوز حقيقة في الإسلام، لأنه يجعلها تتخربط ليس من الحياء وخفر الغرّد الكاعبات البيض، ولكن بسبب ما لُقمت به من محدودية الكلمات العملية، فهي بلا مشاعر جيّاشة، ولا عواطف حساسة، وكأن الواحد منا المفروض أن يتكلم معها بطريقة آلية، لكي تفهم عليه، ويجاوب على قد سؤالها، أما «نعم فديتك»، فهذه كلمة زائدة، ولا محل لها من الإعراب، وبدلاً من أن تعطيك رقم البلدية، ستعطيك رقم كراج للصبغ والسمكرة، فرفقاً بالمساعِدة الافتراضية يا شباب، كُنتُم تشتكون من البدالات جلبوا لكم مساعِدة افتراضية تلبي طلباتكم التي لا تخلص، لذا ما يجوز أن «تتميلحون، وتتلينون» معها، ترا ما عندها لكم إلا رقم محلات الورد البلاستيك الذي كل ربطة بدرهم، بدون ضريبة القيمة المضافة.
يعني مرات اتصور واحداً مزارعاً مسكيناً يعمل طوال الوقت في مزرعة في «بدع فارس» ولا له صلة بالمدينة، ولا يعرف «عربي ولا انجليزي»، غير عربي «مال أرباب»، وتعوزه الحاجة ويريد طلب المرشد الزراعي، وتتلقفه المساعِدة الافتراضية، و«الله النشبة اللي ما بتنتهي على خير»!