منذ أزمنة لا تحصى تساءلنا، أمام دهشتنا للتطور الهائل المتسارع في الغرب، وقياساً إلى حركة سيرنا نحو التطور الذي يتوق إليه الإنسان العربي، وكل إنسان في كل المجتمعات البشرية، ومتى وكيف بدا عصر النهضة العربية، كيف بدأت وأي شكل اتخذت، ومتى انتهت، قياساً بما يسمى (المنعطفات التاريخية) في مسيرات الشعوب، وسنتساءل كما اعتدنا دوماً: ما هي التيارات الفكرية الأساسية وروافدها، التي صاغت العقل والمزاج الفكري لإنسان العصر الحديث في القارات الغربية وبعض الشرقية؟، وما هي الأسباب التي جعلت لهذا العقل السيادة الحضارية لمدى عشرة قرون وأكثر؟.
في كتابه (تشكيل العقل الحديث) يرصد «كرين برنتون» أن التحول من جهل العصور الوسطى التي اتسمت بالصراع والمعارك، والانقسامات، وأحكام القتل والتعذيب والحرمان، واعتقاد أولئك المتنفذين في ذلك العصر أن التاريخ توقف عندهم بعد أن قالوا كلمتهم، كما يعقب المترجم شوقي جلال، في إشارة إلى واقع بعض الدول التي ما زالت تتسم بخصائص العصر الوسيط..!.
في تفسيره كيفية الانتقال من العصر الوسيط إلى العصر الحديث يرى المؤلف أن مفهوم «الحديث» شديد التعقيد، وأن الفصل بين الحديث والوسيط مشكلة عسيرة، فالعصر الوسيط لم يتوقف عند نقطة محددة في الزمان والمكان، ليبدأ العصر الحديث، وليس الحديث هو إشراقة الشمس التي تمحو ليل العصر الوسيط، وليس الحديث طفل الوسيط، بل إنه ليس الوسيط وقد نما وكبر وبلغ سن الرشد!.. السؤال إذن: كيف انحسر العصر الوسيط في الغرب لتبدأ بشائر العصر الحديث؟.
يرى المؤلف أن العصر الحديث بدأ بحركات الإصلاح والنهضة والتنوير، وأن الواقع الجديد يفرض تحدياته ولا بد من المواجهة، فكانت مواجهة التخلف بنبذ الأفكار القديمة التي سادت في العصر الوسيط، لأنها لم تعد تفيد العالم الحاضر الذي يتحرك، فالواقع يتغير، وقضايا الحياة تزداد إلحاحاً، فلا بد من رصد الواقع واستقراء أحداثه بنور يضيء دروب الحاضر والمستقبل، وكان هذا هو نور عقل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) وعقول أبنائه: المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (رحمه الله) وخليفته صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، حيث أدرك سموه أن الحضارة البشرية تخضع لطبيعة الإنسان بما يكتسبه من المعارف والعلوم ومبدأ الاختبار والتجريب، كما أدرك سموه أن التطور أكبر من حصره في أمنية، فهناك معرفة أعمق وأشمل، يحتاجها الإنسان لاستكشافها بالمثابرة، حيث يمكن بلوغ التقدم والتطور بفضل العقل المستنير.. وهذا ما نشهده في الإمارات من تطور بفضل رجال أضاءهم نور العقل..!.