جاء مركز اللغة العربية ضيفاً، ومتحدثاً، وسارداً أنشودة فنه، بصوت رخيم جسد في ثنياته صورة الفنان العربي المصري العملاق أحمد مظهر، وكان الفنان الرائد الخلاق حبيب العطار صورة مثالية لأولئك الفنانين الأفذاذ الذين سكنوا وجدان عشاقهم، واستوطنوا مشاعرهم، واحتلوا مكانة بارزة في ذاكرتهم وعندما كنت أستمع إلى حديثه كان حبيب يأخذني إلى مناطق بعيدة في التاريخ، يأخذني إلى الستينيات من القرن الماضي، ذلك الزمن الذي أنتج فنانين عمالقة، ومبدعين نحتوا في الواقع، كما يفعل النحات عندما يضع أزميله في عروق الطين الجاف، أو رخام الجبل، ليخرج من تلك الكتل الصماء صورة ناطقة تعبر عما لدى الفنان من قدرات خارقة في صناعة الحياة حتى في الجماد.
حبيب العطار ليس فناناً عادياً، بل هو فنان من نوع خاص يعيدك إلى الزمان الجميل، محلقاً في فضاءات عالمك كأنه النسر يخفق عالياً في غابة الأفكار، مجلجلاً، بحنجرة كأنها القيثارة في صحاري النشيد الكوني، مجللاً بذخيرة أكاديمية، ثرية، وحازمة لا تقبل التسويف، ولا ترضخ للإسفاف.
حبيب جاء محملاً بهموم الفن وتداعيات ما يحدث لهذا الفن من شروخ في المعطى، وتصدعات في المنجز، وقد تحدث فناننا الجميل عن تجربته وما خالجها من بدايات الطفولة التي كانت البذرة الطيبة التي خرجت من باطن أرض جلفار العتيدة، وعلاقته بوالده الذي كان النبراس الذي منه انبثق ضوء التجربة، وكذلك خاله الذي منحه بؤرة الانطلاقة نحو عالم المثالية في الأداء المجتمعي، والوظيفي، ولم ينسَ حبيب الدور المستفاد من علاقته بالجيل الجديد والذي يرى فيه الأمل، ولكن بشرط أن تكون علاقة هذا الجيل بمن سبقه علاقة بناء، وتراكم تجربة وليس القفز على المراحل وحرق ثيابها.
لا شك في أن الفن بحاجة إلى مثل هذا الفنان، ولا شك في أن الإمارات بحاجة إلى فن يتوازى مع نهضتها السياسية والاقتصادية، والاجتماعية؛ لأن الفن له دور محوري في صناعة الذائقة، وإنتاج مجتمع ذي وشائج مبعثها نقاء الروح من الصدأ، وتكلس الأعطاف.
حقيقة كان حديث حبيب الفنان المهموم بالفن، حديثاً رائقاً، كما هي الجداول التي تبلل ريق الجذور، وكما هو الطير الذي يشدو لتبتهج الحياة.
شكراً لك سيدي لقد أبهجتنا وكم نحن بحاجة إلى أفكار تغسل أرواحنا من صدأها.