سموه ما شئتم، أطلقوا العنان لخيالكم، لتختاروا له ما أحببتم من السيناريوهات، توقعوا وأحدسوا، فلن يخيب رجاؤكم في هذا النهائي الكبير، لدوري أبطال أوروبا، بين ريال مدريد وليفربول، لأنه ببساطة نهائي بعبق الماضي، وبعنفوان الحاضر، وبنزق كرة القدم الذي يلهب المشاعر، إنه بكل بساطة نهائي ولد من رحم الأساطير.
لنقل من البداية أن هذا النهائي، هو أجمل مكافأة نحصل عليها نحن عشاق الكرة الجميلة، إنه مكافأة ولا أجمل للوله وللعشق ولإدمان الجنون، وليس كل مرة يلتقي فيها ناديان بعملاقية ريال مدريد وليفربول، لنكون جميعاً شهوداً على بوح كروي، وعلى إبداع فني، وعلى سجال تكتيكي من الذي يبهر العين.
وهو نهائي متفرد في طبعته، وفي خصاله، وفي الإرث الجمالي الذي سيخلفه لنا، لا أظن أننا شاهدنا قريناً له، حتى ذاك الذي مر بمحاذاتنا قبل ثلاث سنوات، عندما حسمه ريال مدريد لمصلحته، وطوى لقبه تحت جناحيه، ومضى في طريقه ينشد الخلود، وحتى إن قال أسطورتنا محمد صلاح إنه نهائي أشبه ما يكون بـ «نهائي 2019»، إلا أنني موقن أنه نهائي يخضع لدورة التاريخ، لتكور الأمواج، ولتعاقب الليل والنهار، لا شبه بينهما إلا في الاسم.
وهو نهائي بين مدربين يشتركان في صفة العبقرية، في زمن كروي بالغ التعقيد، وبرغم ما يقال عن أنه زمن الذكاء الاصطناعي والنفوذ التكنولوجي وهجمة المتحورات الفنية الكبرى، إلا أن كارلو أنشيلوتي ويورجن كلوب يعتبران من الجدارات الواقية التي انتصبت، لتمنع خروج كرة القدم من جلبابها التقليدي، صحيح أن الرجلين معاً منفتحان ومتفاعلان مع كل الصرعات التكتيكية الجديدة، إلا أنهما مع قلة من المبدعين يحافظون لكرة القدم على هويتها وأصالتها ولنقل بساطتها.
وهو نهائي بين لاعبين أسطوريين، فجروا أمامنا الكثير من الينابيع والجداول، لينساب منها ماء كالرحيق أطفأ اللظى، ولريال مدريد كورتوا وكروس ومودريتش وبنزيمة وفينيسيوس، ولليفربول أليسون ومحمد صلاح وماني وفان دايك ولويس دياز، لاعبون حملوا على أكتافهم لمسافات طويلة نادييهما ليبلغوا بهما نهاية السفر، وكيف يقبل من يأتي لرأس العين، ألا يشرب منها إلى أن يرتوي؟
وهو نهائي يأتي إلى باريس عاصمة الأنوار، بنور نيزكي، ليتألق في مدينة الدهشة، ونأتي إليه نحن، من كل أصقاع الدنيا لنشهد ميلاداً جديداً لجمال كرة القدم، يزيد من نظارتها، ويزيدنا بها عشقاً وولهاً.
من يا ترى سيكون فارساً لهذا النهائي الجميل؟، أتراه ريال مدريد الذي قبض على النيزك الأوروبي لثلاث عشرة مرة، منذ أن بزغ في سماء كرة القدم؟، أم تراه ليفربول الذي تذوق الرحيق في ست مناسبات؟.
صدقوني، أنا عاجز عن التوقع، لمن سيذهب تاج الأبطال، حتى وإن مال القلب للريال.