هو كائن لا تحتمل خفته على طريقة الروائي التشيكي «ميلان كونديرا»، «The Unbearable Lightness of Being»، أو كما نشرت بالفرنسية لأول مرة «L›Insoutenable légèreté de l›être»، وهو كائن لا تحتمل أسئلته على رأيي، والذي يمكن أن يكون أي واحد منا أو يشبهنا أو يعكس صورنا في الحياة، هذا الكائن المحاط بالأسئلة، تحاصره الأسئلة لكنها لا تضجره، يراها البعض منا من أثقال الحياة غير الضرورية، ويراها هو مصدراً لسعادته، والإحساس بوجوده. أينما تحرك تجد الأسئلة تسبق خطواته أو تتبع أثره، تهبط أسئلة هذا الكائن من السماوي والغيبي والكوني، وأسئلة الحياة والوجود، حتى تصل إلى الأسئلة الطفولية والاندهاشية والتعجبية، كائن قد يرغب في شراء حذاء رياضي لابنه المراهق، فيبدأ عالم أسئلته من ساعة طلب ابنه، حيث يقرأ ويبحث في مواقع الإنترنت عن أنواع الأحذية الرياضية، وأيها أنسب لمنطقة الخليج، وأكثرها تحملاً لخف الابن، ومشاويره التي لا تتوقف، وسبب تدني سعر المصنوع في جنوب شرق آسيا، وغلاء المصنوع في أوروبا، تطول الأسئلة فيعرف ويتعرف على عالم جديد مليء بالأسئلة والدهشة والمفاجآت. لا تمر متطلبات الأسرة هكذا بسرعة، قد يتباطأ في تلبية رغباتهم المتكررة، لكنه في النهاية دائم البحث عن إجابة لأي سؤال، فالأمور لا تمر هكذا عنده دون لحظة توقف وتأمل، واتخاذ موقف إما مع أو ضد الأشياء والناس.
يحضر جنازة امرأة عجوز كانت في يوم أماً لصديقة مخلصة عرفها في دراسته، فيكلف خاطره رغم بعد المسافات، وبعد السنين، ويحضر جنازة الأم العجوز عرفاناً للأيام الجميلة والغالية، فيرجع والأسئلة الوجودية تحاصره من كل جانب، ولا يقدر على التخلص منها، بدءاً من: لماذا كان الجسد  بارداً والعينان شاخصتين؟ لماذا هذا النوع من الخشب الذي سيستقر في التراب؟ هل ثمة علاقة بين الإنسان، ومعرفة وقت الوداع؟ تهبط الأسئلة ويهبط الاكتئاب ويعود حزيناً يبكي نفسه، وينتحب على الزمن، ويأسف على تلك العشبة الغائبة منذ القدم، ترياق الحياة، ورمز الخلود الذي تحدى الإنسان منذ الأزل.
مراجعة النفس تلك قد تسحبه لأن يفكر في: لماذا الإخلاص حتى الأبد؟ لماذا الصدق مع النفس والآخرين حتى الأذى؟ دائماً يفترض في كل مهنة صدقها، وفي كل ممتهن لها صدقه، قد يكون سخياً على أحد حدّ أن يغرّقه بخيره وماله، لكنه يكره أن يضحك عليه بائع في مسبحة من الفضة قيمتها 500 درهم! يستاء من سائق التاكسي في شوارع القاهرة، لأنه لم يرجع له بقية نقوده. دائماً يخلق سيناريوهات كثيرة لأشياء بسيطة وأحياناً لا تستحق، كأن تصله رسالة من إندونيسيا، ويظل قبل أن يفتحها يضرب أخماساً في أسداس مستعرضاً شريط حياته، ماراً على الإرهاب، وطرق العبث، وحين يفتح الرسالة يجد فيها طلباً من مسجد صغير يطلب نسخاً من «جزء عم»! حينها تبدأ أسئلة جديدة وطارئة: لماذا يطلب مني أنا بالذات؟ وكيف عرف عنواني؟ ولماذا هذا الطلب في هذا الوقت؟ وتطول الأسئلة، مشكلة هذا الكائن الذي لا تحتمل أسئلته، إذا ما تحركت عضلة في جسده أو شعر بنبض غير طبيعي أو سمع عن صديق مريض، ساعتها يشكو أكثر من الصديق المريض، ويحس أن مرضه انتقل إليه، ويبدأ في رحلة الأسئلة التي لا تحتمل، ولا تقدر أن تحملها خفته!