لم أفاجأ مما يعرض على بعض منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً، خصوصاً كوني عملت طويلاً في هذا الحقل، وكثيراً ما كانت تستوقفني ردات فعل الناس تجاه قضايا كنت أعتقد -بسذاجة- أنها واضحة. لقد تزايدت منذ زمن علامات عامة حول ازدراء البعض لمشاعر الآخرين، والاستخفاف بأحزان وأتراح الغير.
في المجتمعات الحيوانية كالقرود والنمل وحتى الدواجن، أثبت علماء راقبوا سلوكها أن أفرادها لديهم قدر لا يستهان به من إظهار العواطف مع مثيلاتها من الجنس نفسه، بل إن الكلاب أظهرت شكلاً متطوراً من التعاطف مع أجناس أخرى كالبشر، وحتى مع أولئك من الغرباء عنها. ولتوضيح المفهوم، فالتعاطف يعني تجاوباً مع حالات الآخرين الانفعالية وخصوصاً في الحزن والألم.
وفيما بقيت أحوال الحيوانات على حالها، تغير حال البشر، إذ يعاني الإنسان منذ زمن ليس ببعيد تراجع هذا الشعور بشكلٍ مخزٍ. ونحن هنا لا نتحدث عن «التقمص الوجداني»، حيث يتماثل فيه الشخص (يتقمص) جسدياً بشكل لاإرادي مع حالة شخص آخر يعاني، فيشعر بذات الألم، مما يجعله يبادر بسلوك فوري لتفادي المزيد منه. وبالرغم من أهمية هذا النوع من التقمص -وخاصة لدى العاملين في مجالات يعد هذا الشعور فيها أساساً كالمسعفين ورجال الإطفاء على سبيل المثال- إلا أن «التعاطف» الذي أقصده أشد أهمية، باعتباره سمة أساسية لبقاء الجنس البشري.
وعلى عكس ما يعتقد بأن التعاطف شعور فطري، أثبتت تجارب حياتية عكس ذلك، إذ يتوجب على العقل القيام بعمليات معقدة يسبقها الوعي والإدراك ليحدث التعاطف. وللأسف زادت النزعة الفردية والأنانية من ضمور هذا الشعور، كما فاقم ذلك التخلي عن الكثير من القيم الأخلاقية والدينية التي أصبح ينظر إليها كونها دلالات ضعف. ولهذا عندما نشهد حالات عدم تعاطف وقسوة وبلادة في التصرف الإنساني، علينا أن ندرك أننا أمام حالة مرَضية تستدعي العلاج، ولهذا اشتغل الكثير من العلماء على مفهوم التعاطف وأسبابه وكيفية حدوث هذه العملية في الدماغ، ودور النشأة في ترسيخه أو تهميشه، وكذلك مراقبة دلالات غيابه لدى البعض مبكراً، لأنه يعد مؤشراً بدرجة ما على تبني سلوك عدواني مستقل.