بالصدفة كنت أقلب القنوات التلفزيونية، فإذا بيدي تقع على الـ«mbc»، وكان ناصر القصبي، الفنان العربي السعودي الذي لون الشاشة الخليجية منذ سنوات بالمختلف الفني، والذي يطرح فكرة الفن للواقع، والفن بعيداً عن التهريج، والفن أداة لصياغة واقع إنساني لا يخضع للإسفاف، والتسفيه، والفبركة، والضحك من أجل الضحك، واللعب بالألفاظ، والأفكار، وتحويل الشاشة الفنية إلى لجلجة تثير الغثيان.
ما يقدمه القصبي في «العاصوف» يناقش قضية تلامس وجدان كل إنسان على وجه هذا الكون، وفكرة جوهرية طالما حركت المياه الآسنة في ضمير كل من يهمه أمر الإنسانية، وكل من تعنيه الحياة من دون خرافة، ومن غير تجديف وبلا أساطير ما أنزل الله بها من سلطان.
في هذا العمل الفني الذي يطرحه القصبي ورفاقه في المسلسل، يشعر الإنسان بأنه أمام شخصية تحاكي العقل، وتمارس دورها الثقافي في التنوير، والإضاءة، وتسليط مشرط العملية الجراحية في المكان الطبيعي، لأجل تفريغ الإناء الرث من محتواه الرديء، والذهاب بالعقل نحو سلطة الوعي. 
الحقيقة بحاجة ماسة إلى مثل هذه الأعمال الجادة، والمليئة بالمعاني، والمشبعة بمفردة إعادة رمانة الميزان إلى مكانها الصحيح، بعد أن أشاح بها عقل فقد ميزانه، وضمير حاد عن الحقائق الكبرى.
نحن بحاجة إلى أعمال تنقي عقولنا من دنس الغيبوبة العقائدية، وإعادة العقل إلى بيته في الوعي الذي لا يقبل اجتثاث الحقائق، وتغليب منطق اللا منطق، وجر المجتمعات إلى ما وراء الشمس، والغوص في الأوهام، والعيش بين حفر الخيالات المريضة.
ناصر القصبي مؤهل لأن يقوم بالدور الحي الذي يعيد للعقل مكانته، ويسفر في الحياض قمراً مضيئاً، يرسم الابتسامة، كما ينقش في الذهن صورة الإنسان الحقيقي من دون تعلق بمصطلحات وهمية، ومفاهيم غامضة، وأفكار أشبه بحشرات ضلت الطريق إلى بيتها في الشجرة التي تسمق في نجود خضراء.
نتمنى أن تستمر مثل هذه الأعمال على شاشاتنا الفضائية والتي طالما مولت مشاريع فنية بلا هدف، ولا قيمة. ودول الخليج العربي قادرة على قيادة المرحلة بتقديم أعمال مقنعة، وفن يملأ العقل، فالكوادر البشرية متوافرة، والأعمال الفنية تملأ الساحة، والمادة تفيض، وتزيد.
المهم أن تتوافر الإرادة، والوعي بأهمية أن تكون الشاشات الفضائية في خدمة القيم الإنسانية عالية الشأن، وأن تتوافر العزيمة لشحذ الطاقات الفنية لمصلحة بناء مجتمعات لا تعرقلها أفكار سوداوية، عقيمة، عدمية، واهية، متداعية، سلاحها الوهم، وغذاؤها الكذب، والافتراء على الفكر الصحيح.