هو هكذا يبدو للناظر والتتبع خطوات الحياة في عودها الأبدي، وفي تداولها لأسباب وجودها وأساس حركتها، وجوهر تطورها، ومحور تقدم العالم.
إكسبو حط الرحال ورسم على الأرض صورة عالم لا يمكن أن يرى النور، إلا من خلال مصابيح التفاؤل، وأضواء الأمل والتي هي المنطقة الخضراء التي ترعى فيها إبل العالم وتهجع جياده، وتسمر قيثارته، وتترنم طيوره، وتغفو نجومه على صدى نمنمات السحابة الممطرة.
هكذا يصبح إكسبو ليس مناسبة عابرة ولا نسمة تمر عبر ما يعرشون، ولا طيف أحلام، إنما هو الجبل الذي رسخ أوتاده عند مضارب أهل الإبداع وشيد خيام البهجة، وغرس أشجار الطموحات كي تستمر القوافل في السفر عبر مسافات الزمن، وتمارس حقها في كبح جماح الكسل، وردم الهوة بين زمنين، وعصرين، حيث التواصل الأممي لا تفر عصافيره هلعاً، بل تحلق فرحاً وترفرف أجنحتها كأنها أعلام نصر لحضارة تكللت مهماتها بثمرات أيقظت أسرار الطبيعة من سباتها وهمست في آذان الوجود مبتسمة، محتدمة بعلامات الظفر على عقبات ونكبات، وعثرات، وفجوات، ومهما غلف العالم مصيره بلفافة ورقية سميكة يبقى في كامن الأشياء أننا منتصرون لا محالة طالما وجد في هذا العالم رجال يؤمنون بأن النجاح لا تثمر أشجاره إلا عندما تكون الجداول ملأى بالماء العذب، وتكون الأنهار كمجرى الدم في الجسد، وتكون الموجة قارب نجاة لا منقلب خطر.
ذهب إكسبو ليعود، لأنه في الضمير الإنساني سبب حياة وأصل وجود، وجوهر عطاء الأمر الذي يجعله تجربة مستدامة وليست لحظة مرور عابر.
من رأى وشاهد، وتأمل، وتمعن، وفحص وتمحص وجد أن لهذا المشهد الحضاري العظيم جذورا في تاريخ دبي، فهي المكان الذي لا تخر منه المنجزات، ولا تمر مرور الكرام، بل تبقى في الذاكرة مرسومة، موشومة، مختومة راسخة، شامخة تطرق معاقل الذاكرة كلما عنَّ للذاكرة بأن تستريح فلا مجال هنا في بلادنا لوهن ولا عهن، هنا فقط يماط اللثام دوماً عن لوحة جديدة، وعن منجز معجز وعن فكرة ستولد أفكاراً، وعن خبرة تنجب مواليد جدداً لأحلام أكثر إنارة، وأعظم إثارة. 
إكسبو جاء ليخلد مشاهده المبهرة، ويجدد عهده مع الزمن حتى قيام الساعة، ويمسك بتلابيب المجد، ويحرك في وجدان الأرض مشاعر حب العطاء بسخاء، واستمرار الانتخاب الطبيعي للأفكار، وكذلك لمن يفكرون وهذا هو مبتدأ الجملة العصرية، وهو خبرها، وسبرها، وهو دهرها، وسرها، وسبرها، وهو كل ذلك ما دامت السفينة تدار بوصلتها برؤية شاعرية الشاعر، وفروسية الفارس، كل ذلك يحدث في غضون وشجون، زمن قياسي لو قيس في عمر الحضارات، وتاريخ الشعوب.
فعلاً الإمارات تنحت تاريخها على ظهر موجة لا تكل ولا تمل من الرجرجة، ولا يتوقف صهيله، ولا يصمت عرمرمها.
هذه هي بلادنا الغصن الأخضر في صحراء العالم وهي الشجرة الفارعة في زمن الانكماشات والضمور، هذه هي بلادنا تضرب المثل والنموذج في صناعة الأمل، وبث الفرح عبر أثير التناغم والانسجام مع الذات.