في اليوم الأول وفي الجلسة الأولى من القمة العالمية للحكومات، كان للحضور موعد مع نفحة من نفحات الرؤى المستقبلية التي تجلى بها الحاضرون، وجاءت الكلمات مثل فراشات تجلى عن أجنحتها رذاذ الندى لتحلق من جديد على أعقاب صباح إماراتي مشمس تتخلله أنفاس الذين جاؤوا من أصقاع الدنيا ولكل منهم نبراته، وتعبيراته، وسبره فيما يحدث في عالم ظن أنه فعلاً تجاوز كسله وحقق عولمته المنشودة، ولكن المحاضرين أبوا إلا أن يبوحوا بالمكنون ويؤكدون أن العالم لم يزل طفلاً يحبو على أربع ولم يحقق المرجو، حيث الحرب الأوكرانية أفصحت عن سر تقاعس العالم عن تحقيق ما بشرت به الثورات الأوروبية من نهار أيديولوجي فذ سوف يزيح عن الكاهل غبار حروب سالفة الذكر، وبالأخص الثورة الفرنسية التي مضغت إرهاصات فلاسفة القرن السابع عشر، ومن ثم القرن الثامن عشر حين دعا فولتير إلى التسامح، كما صرخ روسو في وجه فرنسيس بيكون الذي أطلق صيحته المدوية مطلقاً إعلانه المشهور بأن المعرفة قوة وهذا ما أفزع روسو وسواه من فلاسفة ودوا التصالح مع أمنا الطبيعة والسير قدماً باتجاه احترام الآخر، والتصالح بين الأديان، والتوافق بين الأفكار من أجل عالم تسوده المعرفة بحقوق الآخر أكثر من عالم يصارع الطبيعة ويطحن دقيق الآخر تحت رحى الكراهية.
حقيقة أبلى المحاضرون بلاءً حسناً فيما قدموه من رؤى وما طرحوه من أفكار والجميع أجمع على أن العالم بحاجة إلى إعادة نظر في ترسيخ الأحلام، وتجديد العهد مع العقل الناقد الذي طرحه كانط، حتى يتسنى للعالم العيش بأناة وتؤدة بعيداً عن التشنج، والعصبية التي تدفع بالعقل إلى العودة إلى ما قبل التنوير بقرون، وكانت كلمة محمد القرقاوي في افتتاحية الجلسات، موجزة، ومكثفة، أعطى خلالها نبذة عن التغيير السريع الذي حل بالعالم خلال فترة وجيزة تجاوزت طموحات العقل المعاصر وقدم معاليه صورة للقوة الديناميكية التي تدحرجت على صفيح ساخن، أحرق مراحل، وسدد طلقات مدوية باتجاه المستقبل، وهذا يتطلب من ساسة العالم الاستفادة من هذه القفزة الرائعة لتحقيق المزيد من القفزات التي تحقق آمال الشعوب، وتوقف هدر المصير، وتسكت أنين المعوزين، وتلجم همجية العبثيين.
وتعطينا الحرب الأوكرانية درساً في التاريخ كما تمنحنا عبرة في الجغرافيا عندما تصبح الجغرافيا ملاذاً قميئاً لعشاق الحروب، ومراهقي السياسة.
كل ما فهمناه من تلك الإضاءات في الجلسة الأولى، هو أن أمام العالم طريقاً طويلة حتى يستطيع تحقيق الآمال العريضة لشعوب العالم قاطبة، وحتى يتم ذلك يحتاج العقل العالمي فضاء جديداً ليتحرك فيه بعيداً عن ضيق الأفق الذي هو يحوم في دائرته الساخنة جداً.
وليس للعالم من جهد مفيد يبذله سوى أنه يستفيد من تجربة الإمارات السياسية، وهي قد خرجت بعيداً عن الاصطفافات ووقفت مع الحيادية الإيجابية مما جعلها مهبط العقول القابضة على الحلم البهيج، الممسكة بالمعادلات السياسية من دون تطرف، وبعقلية الحكمة بالغة النضج، والفطنة والنباهة.
الإمارات، هي مدرسة العصر الحديث في التعاطي مع معضلات العصر، وعقبات القرن الواحد والعشرين.