يدخل غيث في عامه الخامس بقلب أرهف من الغيمة ونفس أشف من النجمة ليطمئن من تشظت بهم السنون وناخت ركابهم واهنة من عظم البلاوي ومن فداحة المآسي ومن ارتفاع موج محيطاتهم الهائجة في شهر رمضان المبارك، ستحط قافلة غيث عند ضفاف هؤلاء كي تزيح عن كواهلهم التعب والسغب وتمد لهم يد العون والمساعدة كإخوة لنا في الحياة، وهذه هي سمة الإمارات، وسجية أهلها الكرام متخذة من العون صوناً لكرامة الإنسان، وحفظاً لمشاعره، ومن دون منة أوتقتير.
هذه هي الإمارات، وهذه هي عادة أبنائها يذودون عن الإنسانية ويحملون همها، ويدافعون عن شرفها، ويرعون مصيرها، وليس أهم من الكساء والغذاء والمسكن ما يكرم الإنسان ويعزه ويرفع من قدره، ويمنع عنه ربقة العوز ويدفع عنه هوان لقمة العيش.
منذ البدء وعت دولة الإمارات دور الإغاثة وقيمتها في كف الدمعة من سح ذريفها، فهرعت قوافل الخير تجوب العالم بحثاً عن فقير يلهث تحت غابشة الحاجة، وعن محتاج أتعبه الضيم والظلم والظلام، وهذه القيم تتبناها الإمارات متخذة من إرثها القديم ومن قيم زايد الخير، طيب الله ثراه وأنعمه بجنات الخلد، وعلى منواله سارت القيادة الرشيدة، ونهلت من معينه، ورشفت من نهره العظيم.
اليوم عندما ننظر إلى خارطة العالم، نرى يد الإمارات تمتد كخيط الحرير العملاق يلامس خد الكون فيمنحه السلام والوئام، ويغدق عليه بعظم العطاء، وسيل الرخاء، وفيض الوفاء إيماناً من القيادة بوحدة الوجود، وأن العالم خيمة واحده جميعنا سكانها، وأعضاء أسرتها، هذا الإيمان لم يأت من فراغ، وإنما هو بوحي من ضمير إماراتي منبته الصحراء الوفية، والبحر المعطاء.
سيكون لغيثنا في هذا الشهر الكريم جولة في أربع دول عربية، جولة فيها ستبدو الخطوات مثل نثات المطر، مثل خفقات الندى على وريقات التوت الظمأى، مثل رشات النسيم على وجوه تلظت بالحرقات.
سيكون لغيثنا موعد مع عيون طالما انتظرت، وترقبت، وتهيأت لمجيء من يكشح عنها صدأ متواليات التعب.
في هذا الشهر سيكون غيث، غيث الذين أحبوا الإمارات، وعشقوا يدها الرحمانية، وأيقنوا أنها تعطي من غير حسابات، أوتراكمات أفكار مسبقة.
شكراً لكل يد تعطي، وتهب حياتها من أجل أن تزرع ابتسامة لا تشوبها شائبة حزن، أو يأس.