هكذا يأتي السؤال عندما تكون بحار الذات المغلقة، ليس لديها أقدام تأخذها إلى فضاء السواحل المفتوحة على الآخر.
هكذا يتدحرج السؤال كأنه كرة نارية، لتحرق بعض الشوائب التي تعرقل ولا تسهل الوصول إلى خارج النوافذ، وبعيداً عن المحارات المغلقة.
الإنسانية تبدو مثل الأطفال، إنها تبني بيوتها الرملية، ثم بعد حين تهدمها لتبقى عيناً من بعد أثر.
لقد حققت البشرية إنجازات هائلة، ورفعت مشاريع مذهلة، على مختلف الصعد، وفي شتى المجالات، بدءاً من الترقية، مروراً بالاستهلاكية، وانتهاءً بالإبداعية، ولكن كل هذه المنجزات لم تشفع للعقل الذكي الذي يبيد ما تنتجه الطبيعة، ويدمر ما يصنعه هو، وأول ما يقوم به هو تحويل الأخضر إلى يابس، وتغيير وجه الحياة من ناصع إلى أغبر بفعل دخان الحروق، وحرائق الغابات والعبث بالمحيطات والبحار، حيث تبقى عوادم السفن العملاقة، هي الأشد فتكاً بالكائنات البحرية، حتى لم يبق في الحياة شيء إلا ووصلت يد التخريب إليه، ونالت منه شر منال، أما عن الحروب العدمية، فهي تجري مجرى الدم في الجسم، لدى كل متورم، منتفخ، ولدى كل محتقن غير متزن، ولدى كل غافل عن أهمية أن نكون إخوة في الإنسانية، مهما تعددت الأديان، والألوان، وتباعدت التضاريس، فالإنسان الذي يسكن في قارة ما هو في الأصل كان هنا في القارة التي يبعد عنها، هو فقط ضيف في المكان الذي يسكن فيه، إذاً لا بد من الوعي بأهمية أن نكون معاً، السراء والضراء، وأن نختزل التضاريس ليس في إعدام ثوابت فطرتها، بل في التواصل بسلام والانسجام في صناعة مستقبلنا، والالتئام على مصير واحد، ودم واحد، وتاريخ واحد لا تشوهه أطماع الأنا العمياء، ولا تغبشه ضبابية الوعي، ولا تكسر أشعته زجاجات غامقة عند مقلة العين.
وقوف البشر كمصدات هوائية تمنع دخول هواء إلى غرفنا، وتجعل من الذات كما هي العصافير المسجونة في أقفاص العتمة. لا يمكن أن تغرد طيور البشر بعيداً عن أسرابها، وحتى الأسود وإن بلغت من القوة ما يرعب، فهي أيضاً تحتاج إلى سواعد بني جنسها كي تؤمن رغد العيش، ودفء المسكن، الإنسان وحده الذي مزق حبل العادة، واستبد وتمرد مما جعله التهديد المباشر للطبيعة، ولنفسه.