من الرويس إلى دلما يمتد الأزرق، مساحة بحر كالزمرد صافي الزرقة تبتسم على ثغره أمواج ضاحكة، وكأنها تراحيب العيد وزغردة الأمواج للعابرين إلى عمق الماء/ البحر، في البعيد تسكن لؤلؤة صاح البحارة القدامى، إنها العين التي تسقي عطاشى البحر، تغسلهم من ملح دبغت «تصلف» على الأجساد المناضلة من أجل الحياة، من أجل الرزق والأطفال والوطن، سفن وبحارة نشروا أشرعة بيضاء على امتداد الماء، من أبوظبي إلى داس والصير حتى صير أبو نعير والجزر البعيدة سواعد ضربت البحر بكفوف الرجال/ الرجال التي تحرس السواحل وتزرع الخير في أرض الخير..
بين الرويس ودلما قصيدة ماء ولحن جميل حملته النوارس وتغنت به الأشرعة البيضاء ارتفع صوت المغنى البحري مردداً أغنية دروب البحر، مسارات البحر الأزرق الجميل.
«الطنة دوري منه وتعلقي في الصير»، ضربت مجاديف «الهوري» والبانوش وأنشد قائد القارب والمجدفين معه «الهوري بطعنه أحريم السودان.. حلفن ما يركبنه هذي السنه والعام».
كم ترك لنا أهلنا البحارة من إرث بحري وصحراوي، رحلوا لم يرحل البحر ولم تنته الصحراء، بل زاد الجمال والخير وترسخ الإرث على يد من زرع العزيمة والشموخ وأعمر البحر والبر وترك من يحمل الشعلة والمشعل.
الرويس تستريح على شفة البحر مثل وردة وهناك خلف الأمواج بعد امتداد الأزرق الجميل تبرق لؤلؤه/ دلما، يظل القلب يرف لحب الجزر الكثيرة التي تزين جيد أبوظبي الجميلة وكأنها عقد الماس، وتبرق دلما كما عهدها الأوائل والتي ازدانت أكثر للرعاية الكبيرة التي صنعتها كفوف الخير والحب.
تمر بي ذاكرة العمل في إدارة الأنشطة التربوية والثقافية منذ زمن بعيد، حيث نقطع المسافة الطويلة من دبي إلى الغربية تلك المنطقة الجميلة التي تجمع الصحراء والبحر وبما أن دلما هي إحدى محطات الأنشطة المدرسية، فإنها أيضاً هي إرث مكاني ووجداني لأهل البحر، تسكن في القلب والفؤاد، لأنها تاريخ وذاكرة البحارة ورجال البحر القدامى وأحفادهم..
كالحلم كانت الرحلة الأولى إلى هناك، نعبر إليها في زوارق وسفن سريعة، بينما كانوا يعبرون إلى هناك بأشرعة قديمة، قد تمزقها الريح أو يحملهم المد والجزر إلى البعيد ويناورون البحر بألف «خايور» أي تعديل مسار «الشاحوف» أو «البيلي» القارب أكثر من مرة وفي اتجاهات متعرجة في صلابة وتحدٍ للبحر وهبوب الرياح المتعاكسة، تمر بك صورة أولئك القدامى مع البحر، بينما أنت تجلس مرتاحاً والزورق يفلق البحر بسرعة كبيرة، ساعة أو أكثر ثم تبرق وتظهر دلما مثل زهرة الماء/ النهر..
كم مر على هذه الصورة في الذاكرة، وكم هي الأخبار والبشارات السارة التي تأتي من الرويس ودلما بأنها أصبحت أماكن جميلة كثرت بها الناس وتناسلوا أفراداً يحرثون البحر بجهد من زرع بذرة الخير في أرض الخير..
جميل أن يكون لك كوخ على حافة بحر الرويس أو على أطراف جبل دلما تراقب غروب الشمس وإشراقاتها الجميلة، تسرح مثل صياد قديم لتغني مع النوارس البيضاء وتطرح شباكك في البحر..
إنها أمنية لن تحققها الأحلام الوردية طبعاً، ولكن هذا هو حب الماء/ البحر...