«وماذا بكم يا صحبي تجالسون - هذه الخشبة اللعينة؟
وأنصت يستمع إليهم:
- كنت مفلساً، وجائعاً، ولم أجد من أشاركه الوجبة سوى كلب صغير وضع له صاحبه بعض الطعام».
من «الخشبة» تلك القصة التي قدمها الأديب القاص عبدالله صقر، والواردة في مجموعة قصصية قديمة، ولكنها كانت إضاءة على الكتابة بروح مختلفة وبطريقة مختلفة عن السرديات التسجيلية التي صاحبت زمن ذلك الإصدار، وإن كانت جل الكتابات التي ظهرت في زمن مجموعة الخشبة أو التي ظهرت بعدها مباشرة، أقلاماً وكتابات قصصية أو شعراً وكلها ذات اهتمام بالجانب الاجتماعي والظروف الحياتية الضاغطة، ومن تبني ورصد الواقع وتقديمه بطرق مختلفة، ولكن كل بأسلوبه وطريقته والبعد الفكري الذي يحمله.
والكثير من تلك البدايات في كتابة القصة كانت تنحو إلى تبني قضايا مجتمعية ورصد الحياة اليومية أو التاريخية الآخذة في التحول إلى حياة جديدة، أحداث وحكايات كثيرة رصدتها تلك الكتابات الأدبية، قد تكون مفيدة في المستقبل عندما تتم دراسة التحول الاجتماعي والحياتي في دولة الإمارات، أجيال لن تفهم واقع الحال في سبعينيات القرن الماضي وكيفية الحياة وتأثير عوامل عدة في نمط الحياة والتفكير وأثر العوامل الاقتصادية والاجتماعية في ذلك الزمن، ولماذا يختلف أولئك الكتاب والمثقفون تماماً عن النزعات الفردية أو الكتابات الذاتية والفردية والانغماس في تقديم الذات عند البعض أكثر من الكتابة للمجتمع والأرض والحياة اليومية للناس؟
كتابات وأعمال الأديب عبدالله صقر التي خرجت في ذلك الزمن، وصدرت في مجموعة «الخشبة»، وتمت إعادة طباعتها أكثر من مرة، نموذج للكتابة الجيدة والواعية لأهمية أن يكون لدى الكاتب هم اجتماعي عميق نحو مجتمعه، ولكن لماذا؟ الخشبة تبدو أكثر أهمية أو إثارة للأسئلة في ذلك الزمن الذي صدرت فيه، ولماذا تعطل إصدارها في البدء، طبعاً الجواب معلوم عند أولئك الذين تواجدوا على الساحة الثقافية والذين بدأوا الكتابة مع عبدالله صقر أو بعده بقليل.
ومن أهم القصص التي أثارت تعطيل الإصدار في البدء، قصة الخشبة ثم قصة الحفلة، في تلك الفترة يبدو الدخول في بعض المواضيع أو القضايا مثيرة لحساسية البعض وربما التخوف من الخطوط الفكرية أو الاتجاهات التي تحمل معول النقد والتفتيش عن بعض المسكوت عنه وطرقه في ظل حياة اجتماعية للتو تدخل إلى عالم آخر أكثر حرية وانفراجاً، بينما الآن مثل هذه القصص لا تثير شيئاً قوياً عند ذلك القديم الذي يضجر من الكتابة بعيداً عن المألوف.
حضرت جلسة حوارية قبل مدة للأديب عبدالله صقر، حول مجموعة الخشبة القصصية وكان الكثير من الحضور من الأجيال التي ظهرت على الساحة الثقافية بعد زمن من أجيال الثمانينيات، والوقت الذي ازدهرت فيه الكتابة الأدبية والثقافية، من حوار البعض والأسئلة التي طرحت على الكاتب وضح لنا أن التصور عن الحياة الاجتماعية واليومية وقضايا ذلك الزمن من حراك يسكن من يهتم بالقراءة والثقافة وحتى الحياة اليومية للناس وتلك الظروف المعيشية البسيطة في الأسرة، لا يدركها هؤلاء الجدد هم في مساكن وحياة رغدة كبيرة وترف اجتماعي، لم يعرفوا المساكن البسيطة، همهم الذاتي وتقديم أنفسهم أكبر من أشياء أخرى كان الكاتب يعيشها في زمن بعيد، لنصل إلى أهمية الخشبة وغيرها من كتابات أدبية قديمة لقراءة ذلك الواقع وفهم الحياة وتبدلاتها.