-الحين..التلفونات الذكية التي لا تفتح إلا ببصمة الوجه، تتعب بعض النسوان، خاصة أن الحرمة منهن أول ما تشتري تلفونها الجديد، تلقاها فرحانة به، وتتصور وهي بكامل زينتها وتبرجها علشان تظهر الصورة حلوة، وترضيها، بعدين تنسى الأمر، ولما تنش من الرقاد، أول شيء تتحسسه تلفونها المندس، إما تحت مخدتها أو على طاولة السرير الجانبية، فتقوم وتتناوله، وتحاول أن تفتح شاشته المظلمة، فتظهر لها بصمة الوجه، فتقدم وجهها «عنثر النوم» لكن التلفون يرفض الطلب بأدب ويقول لها كتابة: حاولي مرة ثانية! فتقوم وتقرب وجهها أكثر فأكثر، فيرفض تلك البصمة وتلك السحنة، ولا يقبل شيفتها، فتعصب وتغضب، و«قصورها» تضرب به الأرض، فتتذكر أنه ما زال جديداً، وتحاول مرة أخرى، فينكرها، ولا يتقبل بصمة وجهها، فتزعل لأن ليس رجلها الوحيد الذي يستغرب من الشكل الجديد صباحاً، حتى التكنولوجيا ترفض أي مسكرة أو مسخرة على الوجه الحقيقي!
 - في المهرجانات السينمائية العالمية تكاد لا تفرق بين الشخصيات الحقيقية الحاضرة، وشخصيات المخرجين والمصورين والممثلين المتقمصين أدوارهم على الشاشة، وهي عادة ما تغلب على طباعهم وأشكالهم الحقيقية، فالأمر عادي أن ترى ممثلاً متخذاً شكلاً على هيئة أحد الفرسان الثلاثة، بشنب رفيع مبروم، ولحية أقرب للحية التيس الهزيل، أو ممثلاً ناشئاً متخذاً عرف الخيل أو ذيل مهرة جامحة، بعضهم تجده منذ الصباح وعلى طاولة الإفطار مرتدياً ذلك اللباس الجلدي الأسود «المتصالق» من البنطلون والجاكيت والنظارة السوداء وحذاء الكاوبوي ذي السلاسل، والملصق على كعبه هماز الخيل، فلا يمكن أن يمر جنبك ولا تبتسم له، خاصة أن قصر القامة لا يساعده كثيراً، فتشك في أنه محب لجاراته كثيراً، ولا يختلف عن هيئة أي نصاب من صقلية، أما الممثلات فيشعرنك بأنهن مغصوبات على ذلك الريوق، لأنك لا تستطيع أن تميز حقيقة ما يلبسن، هل هي بيجامة أم نوع من اللبس الصباحي القطني؟ خاصة أن شعر الرأس بات يتقلب على ذلك الفراش الأبيض؟
- ضيقو الأفق ينظرون إلى أي مشهد جمالي على أن فيه شيئاً من المنكر، كأن يلحظ تمثالاً برونزياً إبداعياً على طاولة زجاجية أو لوحة معلقة على الجدار لامرأة ترتدي لباساً صيفياً تحت المطر، فيدخل رأسه في ذلك التمثال المصبوب بعناية فنية راقية أو يحشره في تلك اللوحة البديعة، ويستخرج النصوص المحفوظة منذ أمد، ويحاكمها، حتى لو لم يطلب منه ذلك، فيذهب مثقلاً بأحكامه التي يعدها أخلاقية، ويعلق على التمثال بأنه حرام أو أن تلك الصورة تثير الغرائز، «الناس وين وطنبوره وين»؟! يعني حتى ذلك الفنان المبدع لم يفكر فيما فكر فيه أخونا الصالح، ذو النظرة الأحادية الحادة، ومئات الضيوف جاؤوا وجلسوا في ذلك المكان، وذهبوا، ولم يفكروا إلا في ذلك المشهد الجمالي المؤثث للمكان، وأن كل شيء متناسق فنياً وذوقياً، إلا من ضاقت به التخيلات، وذهب مباشرة إلى المحسوسات!