أحياناً أتفكر في شيخوختي مع أصدقائي من رفاق الكفاح والنضال والسلاح، وكيف ستكون مع قلة الشوف والسمع، وحساسية المعدة، وإعادة الكلام نفسه أكثر من مرة، والنسيان، وأشياء كثيرة يأتي بها العمر الخريفي؛ «أسمينا بنتم نتعاشى على أدناة الدون»، وبنتزاعل على أقل القليل، والواحد منا بيحط في خاطره على شيء ما يرزا، وبيكثر خريطنا، وبطولاتنا الوهمية، ونحن ما نروم نقوم، ولا نثور إلا بعكاز، وإن مشينا خطوتين لقيت الوزره تنصل وتسحب، ونتخرطف فيها، وبيكثر الحلفان على أشياء لا نحيدها، ولا نتذكرها، وبتمّ المصخره، ومقالبنا إلا على أنفسنا، لأنها السلوة الوحيدة التي يمكننا أن نمارسها في فراغنا الطويل، والذي لا يمكننا أن نمليه بأشياء عديدة، لأن الملل يتسلل لنفوسنا بعد قليل، المباراة ولا نقدر نكملها، الفيلم نشوف نصه، الأغاني الجديدة ما نحبها، والأشياء الإليكترونية، تخطتنا وايد، نازم إلا نعلق على ما تراه العين، أحد خاطف بنتم نتبعه لين تغيب ظلته، واحدة متبادية، بنتم نشبرها ونفصل ونقايس لين تفتن علينا، وتقول تلك الجملة التي نبغضها جميعاً: «تفاقدتم من شواب، عيونكم تتهامل من الكبر، وريولكم في القبر، وبعدكم تشفون في الحريم، إلا عثرتكم ما لكم إلا المطالع»، وإن ضمنا مجلس لوحدنا، انتقلت التعليقات على أنفسنا؛ «فلان وأشّله متزربل في هالقايلة، وإلا ليش فلان لابس جوتي على الكندورة في هالصيف الحار»؟ وإن تبادى فلان، وكثر العطس عند الشواب، رددوا: شو بلاه فلان حاط من عطر حرمته؟ وإن تذكرنا على كثر نسيانا عيد ميلاد واحد من شوابنا، أيام كدّ الحطب والصخام، قمنا وعطيناه هدية عيد ميلاده «جوزه، وإلا بيذام بو الصلام، وجان يروم، يقوم يكسرها، وإن كسرها خليه يلوجها، بتّم ناشبة في رحاه»!
ليلنا طويل، ونومه متقطع، ونبات طرقه على ما ميش، أنّش غبشه، ونتبادل الرسايل النصية التي لم تعد صالحة، ولا أحد متمسك بها إلا نحن وجلينا المولي، نفعلها لكي نجتمع خارج البيت، نتريق في مقهى قديم يذكرنا بسنواتنا أو نجلس في ردهة أحد الفنادق التي نتحسس من برودة مكيفها الزائد، ونركّض مديره الذي يعرفنا جيداً كل حين وساعة، خفّف هالمكيف.. برّيد عظامنا، نظل نقرأ جرايدنا بكسل، ونتزعم الشاي الأخضر برتابة واضحة، على أساس أنه مفيد لأمراض الشيخوخة، وواحد يخالفنا، ويخلي عمره فاهم ومتحضر، ويطلب ذلك اليوم «كافيه لاتيه»، لكنه عقب ما يشربها يتأسف، وتقبضه حموضة، وحيسه في البطن، ويغادرنا مبكراً على غير العادة، نظل نبدل النظارات، ونرتبك إذا وصلتنا رسالة نصية أو تلفون، نبحث عن الرنين، هل في الجيب أم على الطاولة أو تحتنا، بعدها نبقى نجادي، ونباعد، ونقرّب علشان نقرأ الرسالة أو نعرف رقم المتصل أو اسمه، نرمي ما في أيدينا من صحف إذا ما مر بنا مزيون أجنبي، وقمنا من خاطرنا، وقوفاً ننتفض، وحين يمر ولا يعبرنا.. نتحنحن ونتذكر عجائزنا، وأنهن عازلات «حلى» لغدائنا، وينفض مجلسنا الذي نتمناه عامراً، ولا نتمنى أن تكون أيامه خريفية ومخرفة.