تشرق الشمس على هدوء المكان الذي يغتسل بالإشراقات الجميلة، تبتسم الحياة ليوم جديد ويدب الجميع متسارعين أو متباطئين إلى أعمالهم الروتينية المعتادة، لا جديد في حياتهم وإن حضر، فإنه بوابة لسعادة جديدة، الفصول الأربعة حددت النشاط الذي يزدهر فيها، والناس تعرف كل شيء عن البيئة وظروفها ومتغيرات الأيام في الشتاء والصيف لها ظروف وأعمال، قد تكون مختلفة بعض الشيء من النشاط البحري والصيد إلى الزراعة والأعمال الأخرى.
وحده الراعي في أزمنة بعيدة جداً لا يختلف عمله، ولا يتغير لديه شيء فهو يخرج مع إشراقة الشمس ويعود في المساء، حكاية لا تكاد تذكر في متغيرات الحياة، ولم يعد أحد أيضاً يتذكر هذا العمل، ولا هذه المهنة التي اختفت من حياة الناس، بل ما الداعي لتذكرها عند البعض؟ ولكنها قد تكون ما زالت في حياة شعوب أخرى لديها من الثروة الحيوانية ما يعتمد عليه في الحياة، خاصة في البلاد التي تمتلك المراعي والأراضي الخصيبة، بل إنها ركيزة مهمة في الاقتصاد لدى تلك الدول، وحدها مناطقنا الساحلية التي عرفت تلك المهنة البسيطة وفرضتها الحاجة لسد رمق الحياة، فالذي لا يملك شيئاً من الأغنام أو الماعز أو غيرها في الأزمنة القديمة، فهو معدم تماماً، حيث لا عمل قوياً يسد الحاجة، ولا لديه ما يدعم قوت يومه ويمده بالغذاء، ويعينه على تجاوز صعوبة الظروف الحياتية حتى لو ما يكفي أطفاله من الحليب.
الراعي/ السراح، حكاية الشروق والمرعى، حكاية الفقر والكفاح من أجل هزيمة ذلك الواقع الفقير في الصحاري والسواحل، كل هذه الأجيال الجديدة لا تعلم ولا تعرف أهمية ذلك الرجل الذي يعشق البرية ويحب الماعز والأغنام مثل أطفاله، الراعي له قلب كبير وعشق كبير للمراعي واخضرار السيح والسهل والوادي وتلال الرمل والنباتات الخضراء، تشرق الشمس في عينيه مثل وردة حمراء، يدب خلف أغنامه، يحدثها بحب، يغني لها قصائد المراعي والروابي والتلال، يتفاعل مع نسمات الصباح الجميل، يطير من الفرح مع هبوب الرياح الآتية من السهول والرمال والجبال، مسكنة شجرة ظليلة أو سفح برقا أو كهف جبل. السراح/ الراعي شاعر ومغن ومنشد خاص بالأغنام يعرفها واحدة واحدة، يحفظ ألوانها وأحجامها وعاداتها، إن غاب صغير أو فر إلى البعيد كبير، فإنه حريص على أن يعيده إلى أسرته من الأغنام أو الماعز، هم أصدقاء الصباح ورفقاء المساء، والعودة إلى البيت ومنازل الهدوء التي تنام على حافة الساحل أو بطن الجبل أو خلف تلال الرمال، السراح عنوان السكينة والطمأنينة بأن الحياة تمضي في حب شديد للأرض والمكان، والتأكيد أن لا شيء يعكر واقع المكان ولا يزعج الناس، حياة رتيبة آمنة مطمئنة يحرسها حب كبير وتلاحم اجتماعي كبير، كل يمضي خلف رزقه وعمله سواء في البر أو البحر، وبلد وأرض لا يسكنها غير الحب والود والرضاء بواقع الحال وبما قسم الله من الأرزاق.
صورة الراعي/ السراح في الإمارات اختفت من أزمنة غابرة، ولكنها ما زالت في بعض بلاد الشرق والغرب باقية وإن أخذت صورا أخرى لكيفية العمل والنشاط، ما أجمل ذلك الراعي الذي يحمل الناي، ويسند ظهره على جذع شجرة أو صخره، ثم يغني للحياة، للفرح والشروق، يطرب المراعي والأغنام والطيور، حتى الأزهار تتفتح عجلى لتعانق ضوء النهار وخيوط الشمس البرتقالية والحمراء! صور جميلة تختفي من الحياة، قد يتذكرها البعض من القدامى ولا يعرفها أبناء اليوم المهمومون بواقع الحياة الصعب.