نتعلم في المدارس، وفي المنتديات، وبين أحضان الأسر، وفي كل موقع من مواقع الحياة كل ما يهمنا في حياتنا العملية، والمستقبلية، وكل ما يحقق لنا النجاح في اقتناص طموحاتنا، ولكننا نغفل ما هو جوهري، وما هو أساسي، وما هو حياتي، وما هو يرتب مشاعرنا، ويهذب حواسنا، ويشذب شجرة القلب من كل ما يحيق، وكل ما يعيق، وكل ما يذيق من عذابات، وهم وغم، وسقم.
إنها الذائقة الجمالية التي نفتقدها، ونخسر من خلال هذا الفقدان ذواتنا، وعلاقاتنا مع الآخر.
عندما لا يفهم الإنسان سر الجمال في الأشياء من حوله، سواء كان نباتاً، أو حيواناً، أو إنساناً، فإنه يفقد القدرة على التقييم ومن ثم يعمى عن رؤية حقيقة وجود هذه الأشياء، وبالتالي ليس من الصعب عليه أن يحرق النبات، ويقتل الحيوان، ويفتك بالإنسان، وإذا لم يشبع، فأنه لا يتورع في أن يحطم الحجر.
هذا هو قانون الطبيعة التي غرسته فينا، وأصبح شاملاً، كاملاً، لا يحتاج إلى تفسير، أو تأويل، بل هو القانون الذي يسبق كل القوانين، ويعلو كل النواميس.
عندما لا تشعر بجمال الوردة، فإنك من السهل أن تقوم بقطفها، ثم رميها في الشارع لتدوسها الأقدام، ليصبح بعد ذلك الشارع مثل وجه عار من القسمات الجميلة.
عندما لا تشعر بقيمة الحيوان، ودوره في التوازن الطبيعي، فإنك من السهل القيام بقتله، لمجرد الاستيلاء على سنه العاجي، أو فروه الذي تود استخدامه كمعطف يخفي بعض عيوبك الجمالية كمحسن بديعي.
عندما لا تشعر بقيمة الدهم الذي تهرقه من جسد أخيك الإنسان، فإنك سوف تتسلى في قتله، وتتباهى بأنك تغلبت على ذلك الإنسان، وبالتالي تستمر أنت في الغلو، والمبالغة، والتمادي في احتقار الجمال في الأشياء من حولك، والسخرية من الذائقة التي يتحدث عنها غيرك، وتظل هكذا تسيء إلى وحدة الوجود التي تجمعك مع كافة هذه المخلوقات، لأنك جفت لديك منابع الذائقة، وتصحر قلبك، وعشت الجفاف العاطفي برمته، وسوف تستمر بهذا التمرغ، لأنك بلا ذائقة، ولأنك لا تشعر بجمال الأشياء من حولك لأنك ملوث من الداخل، ولأنك تغط تحت ركام من غبار العمر، ولأنك ترزح تحت نفاياتك التاريخية ولأنك لم تتعلم كيف تتذوق الجمال، ولذلك لا تعرف شيئاً في الحياة اسمه «الحب».
الحب، هو ذلك الكائن العملاق الذي يطوي وجدانك ضمن مشاعر أصفى من الشهد، وأنقى من عيون الغزلان.
فياليتنا نعرف كيف نحب، لعرفنا طريقنا إلى سلام الحياة، ووئام العلاقات مع الآخر.
ستظل هذه الكلمات خرافة في عرف الكثيرين، إلى أن يستدلوا على طريق الحب الصحيح، ثم يعرفوا منبع الذائقة، والتي هي العين السحرية في الجمال.