الله يرحم الصديق ناصر بن هزاع بن سالمين المنصوري، كان زميلاً في المدرسة، وصديقاً في الحياة مع أخيه المرحوم محمد، فقد تزاملنا في مدرسة القرآن، وبعدها في أواخر الابتدائية حتى الإعدادية، ناصر فجأة اختار لنفسه اسماً في الصفوف الإعدادية، هو عباس بن فرناس، وظل يعرف به، ويتسنى به، ولا أدري لِمَ اختار هذا الاسم؟ هل كان بالصدفة أم لما للاسم من إيقاع على الأذن؟ أم لغرابته على واقعنا المحلي؟ أم هو إعجاب أم هو تناص الروح بين شخص عباس بن فرناس وتفرده في مجتمعه؟ فقد كان درّة عصره، وفريد مِصْره. والصديق ناصر الذي كان شخصية محبوبة من الجميع، ويحب المزاح والضحك في كل الأوقات، وكأنه كان يدرك أن حياته قصيرة، فملأها بالفرح ودوام الابتسام، وخلق أجواء بعيدة عن كل الحزن، ذلك الصديق الذي افتقدناه فجأة مع سرور بن سلطان الظاهري وأخيه سعيد بن سلطان الظاهري في حادث مؤلم هز الإمارات وقتها في بداية التسعينيات. 
نخرج من الموضوع الخاص للموضوع العام، عباس بن فرناس لا نعرف عنه في تاريخنا إلا أنه اتبع جنونه وحبه للطيران، وقفز من أعلى تلة في تجربة علمية، وسقط ومات بعد أن خانته تلك الأجنحة التي اخترعها مقلداً العقاب والنسر في تحليقهما، وكان يتساءل: لمَ لا تكون هي ميزة للإنسان أيضاً، لأنه جدير بذلك التحليق؟ لكن عباس بن فرناس، في حقيقة الأمر، هو أكثر من ذلك بكثير، فهو مخترع قلم الحبر، والساعة المائية الميقاتة، والنظارة الطبية، وآلة استخراج الزجاج الشفاف من الرمل، و«مضارب» الأدوية الزجاجية، ولعل تمثاله الموجود في بغداد، وجسره في قرطبة، على نهر الوادي الكبير، يتوسطه تمثاله، وهناك جناحان يمتدان إلى نهايتي الجسر، من تصميم المهندس الإسباني «خوسيه لويس مانثاناريس خابون»، وفي مدينة «رنده» مسقط رأسه، بني مركز فلكي يحمل اسمه، بالإضافة لمدارس أطلق عليها اسمه، وشوارع في بلدان مختلفة، ومطار باسمه شمال بغداد، وطوابع بريد، وفندق بالقرب من مطار طرابلس الغرب العاصمة الليبية، وأطلق اسمه على فوهة في القمر، كل ذلك دليل أهمية هذا الإنسان الاستثنائي، وتكريماً له ولنفعه للإنسانية، ونحن نكاد نعرف عنه إلا اسمه الغريب، ومحاولته الطيران بجناحي طير، ناسياً الذيل وأهميته، والحقيقة أنه لم يمت من تلك الحادثة كما يشاع، فقد تعافى من جروحه وكسوره، وعاش بعدها للمعرفة المتكاملة، وقد خلط المؤرخون بينه وبين شخصية ظهرت في الغرب اسمه «ارمن فيرمان»، هل هما الشخص نفسه أم شخصيتان مختلفتان؟
برع في الموسيقى، وكان يجيد العزف على آلة العود، وفي الرياضيات والفلك والصيدلة والكيمياء والشعر، فقد شرح كتاب العروض للخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان يطلق عليه حكيم الأندلس، ولد أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني ذو الأصول الأمازيغية في تاكُرنّا بمدينة رندة، عام 810م، وتوفي في قرطبة عن عمر يناهز الـ 77 عاماً.
اتهم ابن فرناس بالكفر والزندقة، شأن كل المتنورين والطلائعيين في المجتمعات، وعقدت محاكمته بساحة المسجد الجامع أمام الناس، إلا أن المحكمة برأت ساحته من تلك التهمة الجاهزة، والمبنية على الجهل والكيد والحسد.