نحن نعيش في الزمكان، حيث الزمان والمكان يتشابكان في حوض واحد، ويتعانقان في كأس واحد عملاق يطلق عليه اسم الوجود.
في الزمن القديم عندما كنت تريد أن تنتقل من منطقة إلى أخرى، تحتاج إلى زمن، وأنت تتعقبك الأخطار، وتواجهك مخالب العقبات في كل حين، لأنك لم تزل طفلاً في أحضان الطبيعة، فهي التي تتولى رعاية شأنك، والعناية بحياتك، كان السفر من دولة الإمارات إلى دول الخليج العربي يحتاج إلى مدد طويلة تستغرق أياماً وأسابيع، أما اليوم فقد ناخت المسافات، وأرخت ظلالها أمام تكنولوجيا العقل، ومهاراته الفذة، وإبداعاته المثيرة للدهشة.
كانت الرسائل بين الأحبة والأهل، والأصحاب، مبعث تعب ومعاناة، وقهر، وكانت الأوراق الصفراء هي التي تحمل حرقة المشاعر، ولهيب الأشواق، أما اليوم وقد سقطت كل تلك الأشجار العتيقة، وأصبحت شيئاً من الماضي، وصار الإنترنت، الساحر، يأتيك بالخبر اليقين قبل أن تقوم من مكانك، أو بغمضة عين، ولو أردت أن تبحث عن معلومة، أي معلومة فإن الكاهن غوغل، يفتح لك كتابه المقدس، ويقول لك شبيك لبيك، خادمك بين يديك، وتصبح أنت الملك المتوج، تحيطك المسببات، والموجبات، وأعطاف العالم بأجنحة الود، والطاعة العمياء، ولا تبذل جهداً، من نقرة على زر، بحجم الأظفر، فتأتيك الصفحات طيعة، رائعة ناصعة، بارعة، فترشف من نبوعها ما تحتاجه وما تريده، وفي مجالات أخرى هناك البدع، والإبداع، هناك صناع الحقيقة يلهمونك، ما هو أكثر إعجازاً، فربة البيت التي كانت تشقى لأن تصنع لعائلتها لقمة ساخنة، ولكي تنجز هذا المشروع تحتاج إلى كميات من العرق، والأنفاس المتقطعة، تحتاج إلى ساعدين ضروريين لكي تتحدى خشونة الحطب، ولظى النيران، التي تصرخ متوقدة، متحدية إرادة أنثى لا تملك غير فم صغير تستخدمه في غير محله للنفخ على جمرات تكاد أن تطفئ وجيبها.
اليوم الأشياء تتغير وتتلون، وتسكن فضاءات العقل كما هي النجوم، وأصبحت سيدة البيت، وأن رغبت في العمل، واستغنت عن الخادمة، فإنها تجلس متربعة، بجانب أكليل من الأدوات الإلكترونية المبهرة، وما هي إلا دقائق، وأصبحت المائدة تزخر بكل ما لذ وطاب وبأقل الجهد.
هذه هي الإرادة التي صنعت كل هذا المجد، وهذه الإرادة التي حققت كل هذا الوعد، وهذه الإرادة التي فتحت شلالات الإبداع الإنساني، وأنجزت كل هذه المشاريع العملاقة.