رغم كل ذاك الصخب الذي كان حولي خلال الأسابيع الماضية، لم أتمكن من كتابة شيء، والحقيقة أنها حالة عهدتها من نفسي كل فترة، ورغم الرعب الذي يتملكني عندما تطول هذه الفترة، بأن تكون هذه هي بداية النهايات لهذه العلاقة التي تربطني بالكتابة، إلا أنها تعود بهدوء لترتمي بجانبي بحضور ضاحك.
كعادتها في الغياب، ترفض الكتابة الانصياع لرغبتي، استجديتها، بلا فائدة، طالما ما مارست عنادها المعروف، والذي أدرك قوته وعجزي الأبدي أمامه منذ أن عرفت كيف أرسم بالقلم مشاعري، ترفض استدعائي اللجوج، تستخف باستجداءاتي ولا تقبل رجائي.. تخبرني الكتابة بهدوء أنها تشبهني، فبالرغم من رغبتها في الحضور إلا أنها تريد ذلك على طريقتها، وبشرطها التأكد من رغبتي المستمرة والأبدية، ولذا سيكون عليّ أن أطلبها دوماً وبلا انقطاع، وليس لدواعي بعينها، وإنما هكذا وبلا سبب، وستأتي هي وقتما تشاء، المهم أن أكون مستعدة بقلمي وأوراقي.
تخبرني الكتابة أنها قد تأتي إذا شعرت أني احترمها طوال الوقت في غيابها قبل حضورها، وأبتغيها بإلحاح قبِلت ذلك أم تمَنعت.. أخبرتني -بكل صلف- أنها ستأتي فقط إن تأكدت أني سأظل أطلبها، حتى لو أيقنت بأنها لن تأتي.. حدثتني أنها ليست كما أعتقد، ليست طوع يدي، ولستُ متمكنة منها إلا برغبتها، لأنها ببساطة هي من تكتبني. وهي من تضع تلك المشاعر الغريبة والمرتبكة التي أشعر بها في نطاقها الحي.
يحدث ذلك معي رغم كل السنوات التي كتبت فيها، بعد أن ملأت كل أوراق «دفاتر الإنشاء» التي لم ألتزم يوماً بطلب معلمة لا بموضوع ولا بعدد كلمات، وعد أن ملأت صفحات مفكرتي الرمادية، وبعد أن راسلت صحف ومجلات، وبعد أن أصبح لي مساحتي الخاصة في صحيفة وصفحتي الخاصة في مجلة، بعد كل هذا العمر ولازالت تلك الكتابة هي المسيطرة، هي الفاعل، مهما اعتقدت غير ذلك، سأبقى وفية، وأقدم قرابين الحب لاستجدائها، لعلها تعود قريباً بهدوء وترتمي بجانبي بحضور ضاحك.