لقد تخففنا من العقال ولبسه في فترة الحجر الصحي، لأن خروجنا كان نادراً، وزياراتنا قليلة، ومراجعاتنا للدوائر عبر مواقعهم الإلكترونية، فكان مكانه معلقاً مثل سلاح قديم ستكضك الحاجة إليه يوماً، غير أن حكاية العقال والرجل العربي وارتباطهما ببعضهما البعض طويلة، حتى أصبحت الصورة النمطية للعربي عند الشعوب الأخرى ذلك العقال الذي يكرّم الرأس، ففي الزمن البعيد حين كان العربي يتنقل في الصحراء على مطيته، إن كان راكباً طوى الخطام أو الزمام على عمامته أو تعقل به، وإن استراح عقل مطيته في شجرة أو عقل أطرافها وهي باركة أو قيّدها أو رسغها بذلك الحبل الصوفي المتين، ولعل الحديث الذي رواه أنس بن مالك عن النبي الكريم بالرغم أن البعض ضعّفه، والبعض الآخر أنكره، حين نصح ذلك الأعرابي الذي كان اتكالياً، معتقداً أن ناقته مثل ناقة النبي صالح «ناقة الله وسقياها»، فترك ناقته عند المسجد النبوي، فقال: أعقلها وأتوكل أم أتركها وأتوكل، فقال له النبي الشريف: «بل اعقلها وتوكل».
كان العقال في بدايته لربط الناقة ليثبتها فلا تضيع أو تتبع درباً لا يعرفه، ونظراً لأهميته كان البدوي يشد به عمامته، ويثبتها لكي لا تطيرها الرياح، وربما لقيمة العقال الذي يربط به راحلته، ولكي لا يضيع أو لا يعرف أين وضعه، كان العربي قديماً يربط به رأسه، ومع الوقت والتحضر تحول ذاك العقال البائس إلى عقال يعد من زينة الرجل، ومكانته الاجتماعية، ومع الوقت أصبح العقال أهم ما يميز زي الرجال، وجزءاً من هيبتهم واحترامهم بين الناس وفي المجالس، وسقوط العقال من على الرأس يعد إما وعيداً وتهديداً إذا ما أسقطه الرجل بنفسه، وإن أسقطه آخر عامداً فمعناه الإهانة والسخرية والإذلال، وفي فترات الحزن وإقامة المأتم على فَقْد عزيز، لا يرتدي أهله العقل، حزناً، والنَّاس عندنا يفعلونها تلقائياً دون أن يدركوا أنها عادة عربية قديمة.
عرف العقال القديم المصنوع من الصوف المغزول أو المجلود وكان يسمى عندنا خزام، وشباب ذاك الوقت البعيد و«الزكرتية» منهم كانوا يزينونه بالفضة في أطرافه، مثلما كانوا يلبسون العقال المشروخ أو العقال المنكوس على «بِرْد»، واشتهر عندنا عقال المرعز، وكان يأتينا من الشام والعراق، بعضه كانت فتلته عريضة ومجدولاً، وقد كان أبي يلبسه دائماً، وكان زمان يستخدمه الضباط في جيش «تي او اس» ولعل الإنجليز جاءوا به معهم من الأردن وجيشها، لكنهم كانوا يصنعون العقال في بريطانيا، وهو من أغلى العقل العربية، وكان المرحوم الشيخ «خالد بن سلطان القاسمي» يرتديه، وأمير الكويت «عبدالله السالم الصباح»، أما العقال الأبيض منه، فكان المطاوعة يرتدونه، مثل «درويش بن كرم»، أما العقال المربع والمذهب والمشغول بعقد، فكان لباس الشيوخ والأمراء والملوك، ويسمى «الشطفة»، وأشهر من لبسه ملوك العراق، والشيخ «شخبوط بن سلطان»، والشيخ «عيسى بن سلمان» والملك «فيصل بن عبدالعزيز».
هل سيقاوم العقال العربي في الزمن القادم، زمن «الديجتل»، مثلما قاوم كل هذه السنوات الطويلة؟ وهل سيجد في زمن الحداثة والتمدن والتغير من يعتزي به، ويعد سقوطه، إهانة لا يغسلها إلا الدم؟