دمر الغدر ما دمر، وهشم المعاني والأثر، بغية ردم الحقيقة، وإخفاء الوجه المليح لبلد عمر الحضارة الإنسانية، وأضاء مصابيحها، وأشعل قناديلها، ومهد طرق المعرفة فيها وشيد حصون اللغة، وأسقى أبجديتها.
اليوم وبعد كل ذلك الهدم على أيدي الغاشمين تبرز الإمارات شمساً ساطعة، تغسل وجنة الموصل، وتصافح أهلها الكرام، بيد بيضاء ندية، كما هي أوراق التوت، لترسم إلى خد الربى واحة غناء، ترفرف بتاريخ الموصل، بكنائسها، ومساجدها، ودور عبادتها الأخرى، ومآثرها، وأحلامها، وآمالها، وأمنياتها وعراق بابل، وسومر، وأكاد، وآشور، عراق حمورابي، منشئ أول شريعة في التاريخ، عراق جلجامش وملحمة غنائية، حيث بكى جلجامش صديقه المخلص أنكيدو الذي غادر دنياه، فيقرر البطل العثور على زهرة الشباب الأبدية، زهرة العراق التي تسقيها الإمارات اليوم، بماء المكرمات، وتحيي ذكراها، بيقين أن العراق بلد تموت فيه الأشجار واقفة، كما وتحمي أرواح الناس من طوفان الهمجية، تلك المثل العليا التي زرعتها حضارات عريقة على مدى التاريخ والأزمان.
عراق العراقة، وموصل الوصال، في قلب الإمارات، ووجدانها، تبقى الجذور راسخة، والأغصان شامخة، والأثر يؤدي إلى ملحمة التاريخ البشري، على أرض ما بين النهرين، أرض ترعرعت في أحضان ثقافة إنسانية لا تبلى، ولا تهرم، وإن مرت من هنا رياح، ومن هناك تباريح، سيبقى العراق قوياً رغم مخالب الشيطان، ورغم أنياب الشنآن، فالعراق تحرسه عيون المخلصين، وتدفع عنه الضرر قلوب المحبين، وتطوقه بالدفء، أرواح من نسل الميامين، والعالم اليوم ينظر إلى الإمارات كما أنها النسمة التي تلامس وجنة الحياة، لتجعلها مشرقة، ريانة، جذلانة، منتمية إلى الوجود، بلا أخاديد، ولا تضاريس، تذهب إلى العالم بوجدان أصفى من الندى، وأعذب من الشهد، وتقدم نفسها للشعوب، كشعاع من نجمة الفجر، تسقط على الوجوه فتنيرها وتسكن على الأرض، فتمنحها اللدانة، والخصب، والصخب.
هذه هي مبادئ الإمارات منقوشة على قلوب أبنائها.. الصدق، الحب أولاً، السير قدماً نحو الآخر، من دون تفاصيل مؤرقة، ولا حيثيات مكفهرة، هي هكذا، بلد فيه تسكن قارات العالم الخمس، يجمعها الحب.