ــ ما أصعب ذوق الرجل الستيني المسافر والمجرب، والذي أكل عليه الدهر وشرب، تجده يتبع التفاصيل الصغيرة، ولا يتنازل عنها، ينظر أولاً إلى اللثة والأسنان واعتدال الفك والشفة، بعدها تبدأ الأمور تعتدل معه، ويتقبل النقاش الطويل، وقد لا يملّ من الانصات للآخر، وتجد صدره متسعاً لأي حوار بنّاء، المهم أنه تخطى تلك التفاصيل الصغيرة التي يرى من خلالها الحياة زلقة رطبة ومعوجة.
ــ ما أحد يوترك في نهاية يومك مثل الذي يطلب على العشاء عصير برتقال، لا الوقت وقته، ولا له طعم مع وجبة العشاء ليلاً، وتشعر أن طبيباً فجأة دقّ بابك من دون استدعاء، بعض الناس يجبرونك أن تعدل مزاجهم نحو الصح، معقول يعني عصير برتقال مع طبق «ستيك» نصف مستوٍ، وين نحن؟ وكأننا في المستشفيات القديمة، تجدهم يجيبون للمرضى وجبة صحية شوربة، لحم وخضراوات مسلوقة، ومعها أخيراً عصير «ميلكو»!
ـ دخل «السهيلي» وهبّ شرتاه، وقالوا لنا بيبرد الجو، وما برد، خطف علينا طهف شاهين، ولا برد الجو، الحين قالوا لنا: ابشروا بالوسمي، هو اللي بيخلي «جونا لندني.. الحين اللي في لندن قِدهم تعقطوا، ونحن بعدنا نشالي بوزار فتني وفانيله»، ما أحد شتّا عندنا إلا «الجسمي»، عناداً في «الوسمي» وبس!
ــ في أحد من الناس ما عنده في الحياة شغل ولا مشغلة إلا الرد على التغريدات في تويتر، تلقاه جاهزاً لاطلاق نيرانه غير الصديقة نحو أي تعليق أو فكرة، حتى لو لم يفهم الفكرة بعمقها، المهم يدخل «عصّه فيما لا يخصّه»، والمهم يرد، لو لم يطلب منه أحد أن يرد، ويسجل موقفاً، لو لم تكن الفكرة تستحق اتخاذ أي موقف، تلقاه «دوم زاهب، ومحزمه ممزور، وما يظهر من اليوله، إلا ومحزمه خالي يصّفرّ»!
ــ «ليش ما عادت الناس تتصل مثل أول، وتقول لك الواحدة؛ «أسفة اسمحلي غلطت في الرقم» أو تسمعها تتعلث: «كنت أدق وبالصدفة طلع رقمك، اسمح لي بسكر أخواني في البيت»، فترد أنت بفرح وكرم حاتمي، تقول لاطم لك غز سح مدلوج بسمن: «صدفة.. ويا محلى الصدف، ليتك تغلطين كل يوم، أصلاً رقمي محظوظ بك»، وتبدأ تجرّ لها من الزاهب والوالم والناعم، اليوم يمكن الزمن تغير، كله «لايف»، وبث مباشر، وصور «سناب»، راحت قصص الأفلام الهندية الملونة أو يمكن بل بالتأكيد وصلنا نحن للعمر الافتراضي، ونهاية صلاحية الاستخدام، وما عاد أحد يتصل بنا، إلا طَلّابة، وإلا عليها فواتير تليفونات متأخرة أو تريدك تكفل «أخوها» اليعري اللي مب ملاقي شغل، وهايت، وبعضهن ما يواحي لهن من أول مكالمة تبدأ بطرح حالتها المعروضة على جمعية حقوق الإنسان:«أنا لاجئة ومحتاجة»، ذاك الزمن الجميل راح بأصحابه الطيبين، زمن «البيجر»، وزمن أشرطة الأغاني المنوعات الكوكتيل»!