جميل ما فعلته إدارة حديقة الحيوانات في العين حين اعتذرت عن خطأ في تغريدة لها غير موفقة، بأن منحت الأهالي زيارة مجانية لها ليوم واحد، كنوع من اللباقة وثقافة الاعتذار الحضاري الذي قليل ما نعرفه عندنا كعادة جميلة في أوروبا واليابان وأميركا من قبل المؤسسات للمجتمع والنَّاس في حال قصور أو خطأ ما بدر منها، ونعرّج من حديقة الحيوانات في العين إلى ظاهرة الكلب الضال «بوجي» في تركيا، المسافر دوماً في مواصلاتها المختلفة مثل أي مشرد أو «هوم لس» في المدن الكبيرة أو مثل أي «كلوشار» في باريس أو «فكابند» في المدن الأوروبية، ارتضى عيش الحرية والتنقل الدائم، لا يحب أن يحده سقف أو يعود لمنزل كئيب، مثل أي عامل متعب آخر اليوم.
الكلب «بوجي» أصبح اليوم من المشاهير بعدما كان مثله مثل أي كلب في الشارع اصطادته البلدية ووضعته في مكان مخصص للكلاب الشاردة، لكنه رفض السياج، وكل ما يحده عن الانطلاق، باغت الجميع وهرب باتجاه الحياة التي يحب، خاصة وأنه يتمتع بذكاء وفطنة وحسن تصرف، فهو يفسح الطريق لكبار السن ليصعدوا الحافلات والمترو قبله، وينتظر أن ينزل الركاب ليصعد، وإن كان الجو بارداً لاذ بالداخل، وإن كان مشمساً استمتع بحرارة الشمس، اكتسب شهرة حين بدأ الناس يرونه في وسائل المواصلات العامة يتنقل من مدينة إلى أخرى، ومن منطقة إلى منطقة مجاورة مستخدماً العبّارات المائية، حتى إنه مرات يقطع في اليوم أكثر من ثلاثين كيلومتراً، وأحياناً يعبر بين شطري إسطنبول الآسيوي والأوروبي، وفي مرات تجده يقطع 29 محطة مترو، مستخدماً السلالم الكهربائية، والانتظار في أماكن توقف القطارات أو الحافلات كأي مسافر مجاني أو متقاعد خدم طويلاً، لكن الناس لم يتركوا «بوجي» في حاله بعدما أصبح من المشاهير، ظلوا يكرمونه بتقديم الطعام، وتفضيله عليهم في الجلوس على المقاعد، والتصوير معه، وبث نقل مباشر عن تواجده في المدن والقطارات والحافلات، مما حدا ببلدية إسطنبول أن تلبسه سواراً في العنق، وتضع في أذنه شريحة إلكترونية لتعقبه ومراقبته، ويتم فحصه وتعقيمه باستمرار في العيادة، لكي لا يتعرض له الناس بالشر أو لا يقاومون رغبة الامتلاك والاحتفاظ به في بيوتهم أو فرض وصاية عليه نتيجة العطف والرفق بالحيوان، وبالتالي الحد من حريته التي نالها بفرط ذكائه وإصراره على حب الحياة.
اليوم.. لـ «بوجي» متابعون، وحساب على وسائط التواصل الاجتماعي، وفيديوهات متنوعة، و«لايكات» وإعجاب وتعليقات، وصحته الآن أفضل، ويبدو أصغر من سِنّه، ويحسده الكثير من نظرائه الكلاب الغافلين والمشردين القابعين عند حاويات القمامة، ويفضلون ظل الشجر بدلاً من النهوض مبكراً، والتحرك واكتشاف الطرق للمدن الأخرى، ومشاركة ناسها في تنقلاتهم، مثلما يحسده الكثير من مشاهير التواصل الاجتماعي لأن متابعي «بوجي» في صعود كل لحظة، ويحظى بالحب من الجميع، حتى إنك لن تجد على موقع حسابه الشخصي «ديسلايك» أبداً!
حتى اللحظة ليس لدى «بوجي» أي خطة للارتباط العاطفي، والاقتران بكلبة، رغم تلهفها عليه، واستعراضها المبالغ فيه، وإبداء إعجابها به، ومحاولة جر رجله لبيت الزوجية، لكنه ما زال صامداً تجاه كل الإغراءات، مفضلاً الإبحار لوحده، والتجوال بمفرده، والسفر وحيداً يتبع ظله!