في الرمسة الإماراتية قد يسمع المرء بعض المفردات المعربة، فنحن نستخدم عبارة «نَمبَر» مع رقم واحد فقط للتعبير عن الجودة والجمال والدنو من الكمال، وهناك مفردات كثيرة سكنت أذهاننا وعاشت في طيات ذكرياتنا وذاكرتنا. كان هذا التأقلم جزءاً لا يتجزأ من مفاهيم التعايش والتسامح واحتواء الآخر الذي وظفه الآباء والأجداد، فجعل من آفاقنا مساحاتٍ تتسع للتفاهم والتفاوض والسلام. لذا قررت الأسبوع الماضي أن أتعرف إلى المفردات التي أضيفت للهجة العامية مؤخراً، فوجدت كلمة «يرايس» أي يسابق، وكلمة «يتكرون» أي يصاب بمرض الكورونا، وكلمة «يتكرك» يشرب شاي الكرك، وكلمة «يتكتك» أي يشارك الآخرين مشاهدات تطبيق «التك توك»، وكلمة «يزووم» ويقصد بها يبحلق أو يركز، وكلمة «فرندوتي» الصديقة العادية، «بستي» أي الصديقة العزيزة، وهناك كلمات مثل «هجولة، جحفلة، هيقلة» لم أفهمها البتة.
ويبدو أن الهدف من هذه المفردات المستحدثة هو صنع لغة سهلة لا تملك قواعد أو بلاغة أو تحتاج إلى ثقافة أو علم بالآداب والإبداعات، لغة يشترك في استخدامها أكبر عدد من المشاركين، وكلما زادت استخداماتها وارتفعت المشاهدات و«اللايكات»، شعر صاحب الحساب بالشهرة التي تشبه اللوح الذي «يتشربص» به الغريق. هناك تطبيقات لا تحتوي سوى الأثير الذي ينقلها، فلا حوار هادف ولا محطة معرفة يستفاد منها، وقد تساوى أغلب المشاركين في الرسم على وجوههم، وهناك من يأكل معجون الأسنان والحشرات... نعم، هناك مساواة في القيم ولغة التواصل المباشر والفهم، والعلم إلا ما ندر!
وتذكرت أبياتاً كان والدي -رحمه الله- يرددها دائماً: «يجود علينا الخيّرون بمالهم * ونحن بمال الخيّرين نجود» أبي ذلك الرجل الأُمي الذي تعلم القراءة والكتابة في عصر الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» الذي محى الأمية وأبدلها بالنور والجمال. أذكر أنني سألته ذات مرة عن بيت الشعر هذا فقال: «إن الخير الذي يصلنا من الشيوخ (طالت عمارهم) هو رزق تتسع بقعته». وأضاف تقول السالفة إن: «حاكماً طلب الشعراء وفي الدرب صادفهم شاعر فقير شال في يديه يحلة -جرّة- ساير يترسها ماء، يوم سمع الزيلة تبعهم لين وصلوا بيت الحاكم الذي أكرمهم ويوم شاف راعي اليحلة نشده: منو الريال؟ فرد عليه ببيت من الشعر: ولما رأيتُ القوم شدوا رحالهم * إلى بحرِك الطَّامي أتيتُ بِجرتّي. عقب هالمدحة الطيبة أمر الحاكم أن يترسون يحلة الشاعر الفقير ذهباً وفضة. نشوا الحساد وقالوا للحاكم: هذا تراه ما يآيد العقل وكل هالمعطا والا بيضيع والا تراه بينسرق عنه. قال لهم الحاكم: «المال ماله وعلى هواه عادة». الشاعر الفقير ما كذب خبر من ظهر من بيت الحاكم قسم اللي عنده على الفقراء. نشوا الحساد وخبروا للحاكم، قال لهم زقروه ويوم نشده عن السالفة قال: يجود علينا الخيّرون بمالهم * ونحن بمال الخيّرين نجود».
للعارفين أقول: في عمق حضارة العرب وثقافة الإمارات وما تبذله القيادة الرشيدة منذ بناء الدولة إلى دخولها المستقبل، سنظل نبحث ونوثق ونرسخ الهوية الوطنية وعناصرها الفريدة التي اكتسبناها بمعارف أجدادنا، لأن الإمارات «نَمبَر» واحد الآن وفي كل زمان، إن شاء الله.