هل كنت مستغرقة في نومك حتى إشراقة هذا الصباح؟، أم كنت ما بين من يهفو إلى نومٍ ومن يستغرقه الصحو؟، فإذا نداء من عمقك الخفي يوقظك ويهمس لك:
«إذا اتكأت على الاشتياق والحنين في صحوك وغفوك، ضاعت خطاك في وحشة الصحراء، فلا الحنين صلابة، والشوق كالصحراء ليس فيها سوى هشاشة الرمل».
فصحوت من غفلة أو غفوة ونهضت تبحثين عن ضوء اليقين ليرشِدكِ، لكنك في كل ما تقتِ إليه، لم تعثري إلا على عتمة الشكِ ليعصمكِ.
كل السنين ترمدت وتبعثرت في خطوك المشبوب بالتوق إلى شعلة كالجمر لتشعلك، هل ضعت لغفلتك؟، أم أنك تهت، فلم تعثري إلا على الوهم الذي يأسرك، هل أنت من يرشدك إليك، أم أنها الطرقات التي رُسمت قبل وقع خطاك، تقودك إلى يقظة، فلا نوم سخي يغطُّ بك، ولا صحو مضيء يشفُّ برؤياك إلى الخيال لينقشك.!
ما بين بينين وهذا وذاك تمضي بك الأيام، فلا أنت حضور ساطع يشع على ما حولك، ولا شبح يبين ويختفي، كي تظني أنك بين حضور وغياب.
تقولين هذا الدرب.. فيسخر الدرب من قولك.. تقولين ذاك الدرب.. فلا ترين إلاَّ التماع السراب الذي يخدعك، فبأي زيت تشعلين قناديلك لكي تري في العتمة ضياء نورك؟، وأي جمرٍ يعصى على الريح ليدفئ صقيع بردك.
وأي جوهرة أضعت في مدار العمر فلم تعثري إلا على الوصايا التي في خفاء ترابك؟، ياااه..كم أنك بدائية أنت في الشغف الطليق، وبدائية في نسج أحلامك، وبدائية في نقشك للشعر والتأمل في أسرار الكون وكل ما يحيط بك، وبدائية في الأشواق، وفي الحب، وفي ما تشتهي روحك في اليقظة والصحو والأحلام، بدائية في خطواتك نحو الغد، وفي عثراتك، بدائية في الصحوِ، وفي النسيان والسهوِ، بدائية كأنك لم تجمعي العمرَ في سلة العمرِ، ولم تلقطي لؤلؤاً من شهوةِ البحرِ وحكمة الأمواج في المد وفي الجزر، ولم تنتقِ سوى العصيان لا فرساً ولا تيهاً.. أين الطريق إذن لتكوني ما شئتِ، وما شاءوا لك خلفته رماداً وركاماً في مسير رحالك وإيابك إلى موانئ لا تلوح على وهم شطآنك.
أرأيتِ كيف تذهبين في التأمل إلى البعيد، فلا نقوشك تقرئين مسار غموضها وتجليها، ولا دليل ليرشدكِ إليك؟ أرأيتِ كيف الظنون تخونك، ويخونك الحدسُ، وما تبصر عيناك في تحديقها؟
ها أنت حيرى تسألين، وتسألين، وتسألين، فلا جواب سوى السؤال، يجر أذيال السؤال، ولا جواب على السؤال، يشفي ابتداء سؤالك..!