على الرغم من أن الأكل ثقافة، وثقافة عالية، لأنه المدخل لمعرفة الآخر، لكن في السفر يكثر الخوف والتخوف مما نضع أيدينا عليه من المأكل، لأن كل شخص يسافر بثقافته، وبطبيعة نظامه الغذائي، وتلك النظرة النمطية عن الآخر، ويصعب علينا تغييرها، لأننا لا نحب أن نجرب، ولا هم يقربون لنا تلك الأشياء لنتقبلها، ونغير من طبيعة نظرتنا شبه القاسية إلى بعض أمورهم، فالمسافر إلى كازاخستان والجمهوريات الآسيوية الوسطى الخمس التي تنتهي بـ«ستان»، وتعني الأرض، يظل التخوف رفيقاً له، والحذر يقدمه قبل الإقدام على أي طعام، خاصة لحم الخيل المفضل لديهم، ويكاد يدخل في كل شيء، ويستغلون الذبيح منها في كل صغيرة وكبيرة، من السلَطة الغالية التي يضعون فيها بعض الأعضاء ليوهموا بطاقتها الرجال، إلى صحن الوليمة «بلاو» أو «بلوف» الذي لا يدخل من باب الخيمة الصوفية «يورتّا»، غير ناسين حليبها والذي يخلطون معه أشياء كثيرة، ويمكن أن تغف على الريق كأساً حتى تشعر بتلك الحموضة، وتشعر بعدها بحرارة تسري في جسدك، وبدء اشتعال من الداخل، حينها ستدرك أن صباحك بدأته بشيء كانت تعافه نفسك، حليب الخيل يسمى «ساوول مال»، أما إذا تخمر فيسمى «غَمّز»، أما الإبل أم سنامين فيسمى حليبها وخمره «شوبات»، وهو أقل حده وتأثيراً من خمر حليب الخيل، وحين تسأل لِمَ كل هذا؟ يقولون لك: إنه الشتاء القارس حين تنزل درجة الحرارة إلى 50 درجة تحت الصفر، وهناك مثل كازاخستاني يقول: على الرجل الكازاخي أن يملك حصانين، واحداً للركوب والثاني للأكل.
أما إذا سافرت إلى فرنسا فستظل تتأكد من أي لحم طير، فالضفادع شغلهم ويتفننون في طبخها وتحضيرها متبلة، بحيث إن رأيت ذلك الصحن المزين فستنسى تلك «الكرَّة» التي كنت تراها في الشريعة تسبح أو تتنطط بجلدها الأخضر الأملس في أفلاج العين، وتصيبك بالاشمئزاز الدائم.
أما إذا كانت وجهتك ألمانيا فالريبة من أي لحم أمر واجب، لأن الخنزير حاضر في أي وجبة، ويظلون يشوونه أمامك كنوع من الإغراء «الديني» يتمنونه أن يتم، وتدخل في غواية النار والشواء ورائحة اللحم الطري، وحصار البرد والجوع، وتلك السكينة التي تكاد تلامس اللحم المشوي بنعومة لا تقاوم.
أما في كوريا وفيتنام والكلاب الضالة فسيقبضك تلبك معوي، وحيّسة في البطن لن تنتهي إلا بمغادرة المطار غير آسف على صيامك، واقتصار طعامك على الأجبان دون مشتقاتها.
أما في الصين فلا بد وأن يكون الحذر حذرين، والريبة شكّين، لأن في الصين عليك أن تتخوف من كل شيء، فشعارهم التاريخي: كل ما يدبّ على الأرض التهمه، ما عدا وسائل المواصلات. ولا تغرّك تلك القدور التي تغلي، ففيها أشياء كثيرة تسبح، لا تعرفها، هل هي أعشاب أو كائنات مائية أو قطط تكاثرت بجانب خزان المطعم في شهر شباط؟ أما تلك «التاوه» التي تفور فلا تثق بها، ولا بالفلفل الأخضر والأحمر والأصفر، فهي مصيدة للفئران والجراد، وكائنات ليلية تطير وحدها.. وغداً نكمل.