تدعوك إلى قلبها النابض بالفنتازيا، والحكاية هي مدينة ساليم، شمال ولاية ماساتشوستس الأميركية، تراها تنام على ضفاف السحر، بساحل بحري شبه مهمل، يموج بصمتها النحيل نحو الغروب، ليضفي عليها ملكوت الزمن الغريب، أو يناجي بهمس بيوتها القديمة، المسكونة بتخم صراعات الكنيسة والسحر، هيمان يوحي بالغموض، يعاد كنخب سنوياً، ربما يوحي لها ألا تشذ عن فضاء آخر، مدينة تحيط الزائر بشيء من الحلم، وشيء من الخوف، تحمله نسمات بحرها الهادئ، أو تجرجر زمانها البعيد والمثقل، أو ترمي نحونا ونحن نسير في طرقاتها، ترمي بالمسحور من أساطيرها القديمة، التي ما زال الناس هنا يعكفون عليها، ويكتبون قصص السحر، أو يتوارون خلف أيقونات ومسميات ظناً منهم أنهم يخلدون أشباح المدينة، أو يجوبون فيها بمعتقدات الأمكنة، ومتاهات كتبها التاريخ، ليبصرها الزمن للعالم.
فمدينة ساليم ليست مجرد مستعمرة بريطانية، ضمن سائر المدن القريبة منها، المتوحشة بتضاد مجتمعي ما بين المستعمر وساكنيها الأصليين، وبما أفضى حضور الكنيسة، عام 1692م وما أعقبه من رفض للمستعمر وعقائده، وجدل أفضى فيما بعد إلى محاكمة السحرة. لتحتفي المدينة منذ تلك الأيام، على طريقة، بمناسبة الهلويين، لتبدأه قبيل شهر أكتوبر، وبمدى أبعد من مجرد أيام معدودة، مدينة تهوى مغامرة السحر، الذي ما زال يعشش في مخيلة مجتمعها، وتجذب الزائر من مختلف العالم، ليرى زمناً مختلفاً يحمل في واقعه معتقدات وقصصاً وهمية تملأ ساحاتها وأسواقها، وهي تحفل بما لا يصدقه العقل، تحفل بذكرى موت الرضع، وتلف المحاصيل، وتصور المشاهد من الخلافات الاجتماعية، والطائفية، وردة فعل المدينة، التي وقعت، تستحضرها في دهاليزها وأسواقها، لتعيش عالمها الغرائبي، لتمجد الزمن والسحر بما لا يدع لها شكاً. باقية على المتحف الدال على محاكمة السحرة وإعدام العشرات، المدينة تؤرخ لهذه الحقيقة والحقائق، ولا تلتفت إلى تطور الحياة المتجددة.
فما تفعله المدينة ليس خيالاً ولا عبثاً، بل يستند إلى تقليد يفضي بمدينة تنكرية، تتقمص وجوه الناس بأقنعة تتشابه خلقاً وخليقة، سمات مخيفة شاهده على ما حدث من عواقب تختزلها المدينة، لعصور عاشتها بشكل فنتازي، ليفضي بالأجيال إلى أن تطارد ما تبقى من ماضيها لتغوص في عالم أقرب إلى الخرافات. ولا يبدو حضور الناس اللافت أفواجاً من الصباح، إلى نهايات الأيام، لخلق عالم تنكري مختلف ومخيف، وعلى الرغم من سياق الحياة العصرية المتقدمة والناجزة، في مدن أميركا المختلفة، إلا أن مدناً مثل، ساليم، ونيو إنجلترا، تبدو مختلفة بما يوحي إليه الزمن، وتشد الزائر بما تحتفي به من طقوس سحرية عاشتها في سنوات بعيدة.