لماذا يسعى الأدباء، الشعراء أو الباحثون أو الروائيون، دائماً إلى العمل في الصحافة كوظيفة أو ككتابة حرة؟، هل لأن العمل في الصحافة أكثر إغراءً للشهرة من التفرغ للأدب؟، أم أن لقمة العيش أقوى حكماً من متعة التفرغ للإبداع؟، ثمة وشيجة متينة، وافتراق أيضاً، بين الصحافة والأدب، تجعل كلاً منهما يصب في مجرى الآخر، فإذا كان الأدب عملاً إبداعياً حراً لا تأسره ضوابط، فإن الصحافة كتابة مقننة في إطار مؤسسة وقوانين، وبينما يقع العمل الصحفي ضمن منطقة الإدراك الواعي الملتزم بصيغة منضبطة، وفكر مشروط، وزمن عليه أن يكون الحاضر دائماً، يقع الأدب كإبداع متفرد ضمن منطقة الحدس والخيال والنبوءة، وهو بذلك يختزل الأزمنة دون أن يلتزم بزمن محدد، أو صيغة أو فكرة مشروطة، ولكن ما يجمعهما ويوحدهما في الإطار هو اللغة بدلالاتها المباشرة في الصحافة، ودلالاتها الانزياحية في الأدب.
رغم أن كلاً من الصحافة والأدب يستخدمان اللغة ذاتها بمعانيها المعجمية المؤبدة، لكن في حين أن اللغة في الصحافة لا تمنح القارئ أكثر من معناها المباشر الذي يخضع في كل الأحوال لسياسة الصحيفة، ولا تحيله إلى فضاء أوسع أو معنى أغزر، فإن اللغة ذاتها في الأدب، تمنح سعة في المعنى، وتعدداً في الدلالة، وإحالة إلى الأعمق، وما عدا ذلك فإن الصحافة حرفة عيش ومنبر إعلام، أما الأدب فإنه لغة مكنون وإبداع واختلاف، والفصل بين الإبداع الأدبي ومهنة الصحافة لا يمكن إلا في مرحلة متقدمة من تجربة الأديب، حين يقارب الأديب المبدع لأن يكون بمفرده مؤسسة ثقافية أو إعلامية، وهذا ما لا يمكن حدوثه في عالمنا الراهن، حيث إن الأديب حين يكون على حافة الفقر، يظل رهين حاجة العيش والعمل في الصحافة كأجير، وهنا ينبغي التوقف أمام هذا الالتباس، وطرح سؤال كهذا: لماذا يختار الأدباء العمل أو الكتابة في الصحافة؟، ولماذا لا يعتقدون أن بإمكانهم التفرغ لتطوير إبداعهم فقط؟.
يخبرنا التاريخ والسير الشخصية أن أغلب الأدباء والمبدعين في العالم، عبروا إلى الأدب عن طريق الصحافة، وما زال أغلب المبدعين العرب الأحياء يحتلون مواقع ذات أهمية في الصحافة، بل إن الأديب يعتقد أن العمل في الصحافة هو مكانه الأمثل كمهنة للعيش والشهرة، لأن العمل في الصحافة حتى إذا لم يرتقِ بموهبة الأديب، فإنه قد ينضج خبراته في التعبير عن مختلف مشكلات الحياة..!.