وردة، الوجه الجميل، الصوت الأخاذ، الرائع الذي يسكن القلب، المغنية، المطربة، الساحرة على خشبة المسرح، عندما كان الغناء طربا، والجماهير بآذان صافية وأحاسيس تلمس الجماد فيتحول إلى ماء.
في ذلك الزمن الرائع، تجلت سيدة من الجزائر في أم الدنيا وغنت، فرقّ الجبل، ورقّ النيل الهادر في القارة، رق الشرق من محيطه إلى خليجه، عندما غنت وردة وتشبثت قلوبنا بها وبقصص حبنا، في العشق وانتشاءاته اللطيفة.
كان في ذلك الزمن قصة حبٍ ساحرة تُكتب، اسمها وردة وبليغ، حب أخذنا معه إلى الجمال كله، حيث عازف العود الذي كانت آلته الموسيقية تنتج إبداعاً موسيقياً خلاقاً واستثنائياً، إبداعاً يحول الشعر إلى أيقونة تحتوي القلب والفؤاد والروح.
الموسيقار بليغ حمدي، الاستثناء الملهم، الاستثناء الذي لا تقدر، حين سماع ما تنتجه أنامله، إلا أن تقف احتراماً وترفع ترددات الآه عالياً.
وردة وبليغ، قصة حب فائقة الجمال، أنتجت غناء سكن في الوجدان وخلد في تاريخ الغناء عالي الذائقة وفاتن حدَّ خفة الروح والنفس عندما تنصت له الأذن.
رقت وردة وانتشى بليغ جمالاً وإبداعاً، فصوت وردة وحضورها الآسران يجعلان كل دقات القلب تنصت لها، وتلمس ترددات بهجة الصوت، وهو ينتشر في الإحساس وفي المشاعر عندما يأتي ذكر الحب الرائع الذي يسكننا كتاريخ، يظل يتبعنا ولا نجد مفراً من التوقف والالتفات إليه لنفتح الأحضان له مع سريان اللحن والكلام والصوت في مجرى التنفس الذي به نعيش.
كان ذلك لا زال يحدث على الرغم من مغادرتهما هذه الحياة. منذ «العيون السود في بلدنا»، و«الزمان» منذ عاد العملاق بليغ، متجاوزاً القارات إلى وطنه يستوحش الزمان لمصر «أم الحنان»، حيث «المواويل والنيل الذي كانت فيه قلوب البشر مليانة غُنا»، منذ أن عاد كي يلحن السعادة ويمضي، وتمضي وردة تاركة إرثاً من الغناء، كلما عدنا إليه ألهمنا حب الحياة.
حب بريقه أجمل من الألماس والذهب، الحب الصافي بلا ضغينة، الحب الذي لا يتلاشى كالدخان، الحب الذي يسمو ويتوالى صعوداً حدَّ نقاء ضوء القمر؛ حيث «لا الزمان ولا المكان قدر يغيروا في يوم الزمان»، «لا الزمان ولا المكان قدروا يخلو حبنا ده يبقى كان».