في أغلب ظني أن الناس كانت تضحك كثيراً في الماضي متجاهلين ظروف الحياة ومتحدّين تفاصيلها التي لم تكن في صالحهم أحياناً لذا قالوا إن «الضحك من غير سبب من قلة الأدب» فقد كان وقت حاجةٍ وعمل وبهذه المقولة توجب علينا ألا نضحك لمجرد الضحك فنستهلك الضحكات في تفاهةٍ ما، فارتبط الضحك بالمنطق وردة الفعل الذكية لموقفٍ أو حكايةٍ ما. فكان ضحكنا ملء الفم وأذكر من ضحكاتنا آنذاك أن رئتينا كانتا تتفتح بالأكسجين ونشعر بالدم وهو ينتقل في الأوردة والشرايين متدفقاً ومرتحلاً بين الرئة والقلب. كنا نضحك في دواخل أنفسنا فلا نذكر حرارة الجو ولا رمضاء الأرض ولا الوهصة والوهية التي كانت تصلنا عبر الهواء الحار والساخن كالماء المغلي.. كنا على الرغم من كل شيء نضحك.. ونضحك ولا نعرف إلا الأمل.
بالأمس اجتمعت عائلتي لمناقشة بعض الأمور العالقة بين جيلين، كنت أنا من طلب ذلك الاجتماع فنسقت له وأدرت جلسته وكتبت المحضر الذي في طريقه للاعتماد اليوم. اتفق الإخوة على أن تكون المودة والتسامح والتكاتف والتعاون واتساع الأفق وقبول الاختلاف من أهم القواعد التي يجب التحلي بها في الاجتماع فقد تعلمنا من أسلافنا النأي عن المغثة، والابتعاد عن الخصام، وعدم الاحتكام أو الشكوى في المحاكم فقد كانوا حريصين على إبقاء سمعة طيبة تنشر التآخي والاحترام وعدم نبش الماضي ودفن البغضاء فنحن نمضي قدماً وكل ما يهمنا هو التآلف والتآزر.
جلسنا وهو أول اجتماع لنا بعد غياب أخي الصغير عُمَرْ -رحمه الله- فقرأنا الفاتحة للأموات أجمعين وسرنا نتناول من الحديث موضوعاً بعد الآخر. وما شد انتباهي من كل ذلك هو الانسجام والتفاهم وكمية الضحك التي حبست الدموع في عيوننا بينما صار الآخرون بين متدحرجٍ على الأرض وآخر يقلد شخصاً ما إلى أن أدركني الدور وسمعتهم «مستلميني» وتتابعت النكات عليّ فقلت هذا هو التنمر الإيجابي. صرت أضحك ومن شدة الضحك عادت بي الذاكرة إلى بيتنا القديم على ضفاف خور دبي، لا هموم ولا شقاء ولا مشقة فتاة صغيرة همها الوحيد أن تلعب ثم تشي بإخوتها عند والدتها التي «تهزبهم» فتنتصر. وفي لحظة صفاء وجدت نفسي أُعَلقُ عليّ وأضحك معهم. وبعد لحظات وجدتنا نضحك من دون سبب إذ لم تكن هناك كلمات أو تمثيليات بل صور من الماضي اتفقنا على جمالياتها ومنطقها وقدرتها على لمس أرواحنا أينما نكون.
للعارفين أقول، أحبوا أهلكم واضحكوا معهم بعمق الذاكرة وتذكروا أن الحياة قصيرة ومهما كان الاختلاف أحياناً «تسير المخوّه وتْتّمْ المروّه»، فهذا المثل منطقي ومن عمق الموروث المجيد.