لو لم تخترع الفنادق، لكان لزاماً على الإنسان اختراعها، اليوم هي بيوتنا الثانية، صديق الفنادق مثلي إن لم يكتب له السفر، تراه يلوث على أحد فنادق بلده، ليقضي إجازة الأسبوع، ليشعر أنه على سفر، لا أدري من هو أول من استهدى على فكرة الفنادق، ومن ثم نشرها في العالم، ولا في أي بلد تمت تلك المعجزة، لكنه بالتأكيد شخص أراد أن «يتخيطر» على ناس، ولم يجد المضيفين، ولا الضيافة، فلمعت الفكرة في رأسه أو واحد أتعبه الضيوف الدائمون في فناء داره، بحيث لا يخطف أسبوع إلا ويصلّون الجمعة عنده، فأشار على شخص يعرف عنه حبه للمال، وتطربه كلمة المتاجرة، فدلّه على فتح «خان» في المدينة للقادمين هم وخيولهم، فأراح نفسه من صداع الضيوف المقيمين، وكسّب أحداً من معارفه، اليوم الفنادق تتعدد وتكثر نجومها، ولم تعد أم خمس نجوم هي نزل الصدارة، هناك فنادق مثل القصور والفلل والمنتجعات السياحية المتكاملة.
انتشرت الفنادق، وأصبحت مستعمرات هادئة، تفرض ثقافتها وأسلوبها بطريقة وديّة ومحببة بين الناس، ولم تعد ضرورة لتواجد الدبابات الفرنسية كمظهر للمستعمر القديم، فهناك سفير لها ولثقافتها مقيم في مدن العالم، يروّج للبضاعة والسياحة، وأسلوب الحياة الفرنسية للذين يعشقونها، هناك فنادق بطابع آسيوي وأخرى بأجواء شرقية، هناك فنادق عائمة، وهناك سفن تجوب البحار، كفنادق كبيرة متحركة، ومن البحر صعدت الفنادق للفضاء كمشاريع حالمة ومستقبلية أو تحت المياه أو مصنوعة من الثلج أو منازل خشبية مزروعة في البحيرات الضبابية.
ما يميز الفنادق أنها في عمومها تحف معمارية، يتجلى فيها الفن من ديكورات ورخاميات وسجاد ثمين ولوحات فنية وطرق إنارة وثريات وصحون وملاعق فضة، وبذخ في بيوت الأدب أو الراحة، ونوافير وحدائق غنّاء تسرّ الناظرين، مشكلة الفنادق أنها لا تصلح للإقامة الدائمة والطويلة، حتى إن موظفي الفنادق أنفسهم يشعرون بالملل من ضيف يصطبحون بوجه كل يوم، فقد اعتادوا تغيّر الوجوه والناس، وكذا النزيل تشعره الفنادق دائماً أنها بيوت طارئة.
هناك فنادق شهدت أحداثاً تاريخية ومواقف سياسية مصيرية دخلت من خلالها كشواهد على العصر، وهناك فنادق سكنها المشاهير من سياسيين وزعماء وكتّاب وفنانين، أرّخوها في كتاباتهم وأعمالهم الفنية، وأصبحت الفنادق نفسها تتاجر بتلك الإقامة القصيرة، ولما بطر الناس، وذاقوا ترف العيش خصصوا فنادق للكلاب والقطط وما استأنسوا من حيوانات، وهناك ظاهرة فيها من العنصرية، كوجود فنادق للنساء فقط، وفنادق للأقزام وفنادق للأثرياء، أما الفقراء فلهم الشوارع!
الفنادق حالها مثل حال البشر، تصاب بالإفلاس وتقلّب الحياة من غنى إلى محل، بعضها يذهب في النسيان، بعضها يجتث عن آخره ليأتي واحد جديد مكانه، بعضها يحترق، بعضها يقاوم من أجل الحياة الدائمة، مثل الفنادق العائلية والقصور التي جار الزمن على أصحابها، فتحولت إلى فنادق يناظرها الأحفاد لغياب عز الأجداد!