يعني تصوروا.. أن مواطناً خريج جامعة، وحاصل على دورات تدريبية عالية في مجال التخطيط وإدارة الموارد البشرية، ودورات تخصصية عليا، وعمل في القطاع الخاص في أربع من كبريات الشركات الوطنية مدة 35 سنة، والآن عاطل عن العمل، حيث جرى تسريحه في عام 2020 مع انتشار جائحة «كورونا» بقرار تعسفي، وفي وقت غير مناسب، وحرج، لكن لا تستطيع أن تقول لشركات القطاع الخاص إن قرارهم تعسفي أو مزاجي، لأن جوابها دوماً حاضرٌ: والله نحن نخضع لقانون زيادة الربح، وتقليل الخسارة، والاستغناء عن الخدمات وارد على المواطن قبل المقيم، ونحن في الآخر لسنا جمعيات خيرية!
طيب.. لو ذهبنا عميقاً في تجربة هذا المواطن والموظف الكُفُؤ، وفق الشهادات والتقارير والمردود المادي والمنفعة التي جلبها لتلك الشركات، وسألناه عن مدة 35 سنة، كيف تبخرت من العمر دون أي معاش تقاعدي؟ خاصة أن الشركات التي عمل فيها من الشركات الوطنية الكبرى، والتي تراعي الصغيرة والكبيرة، ويفترض أن حق الموظف المواطن من أولوياتها، وأساس تفكيرها، رد بحسرة: إن تلك الشركات، حين تستقيل أو تقال منها، يعطونك مكافأة نهاية الخدمة، وليكن 500 ألف عن عشر سنوات، وحين تريد أن تضم الخدمة لتتراكم السنوات من أجل تقاعد سيأتي، ولو كان قليلاً، لكنه يستر الحال، ولا يحوجك للآخرين، ولا يحرجك للعمل في مهن أقل من مستواك التعليمي، وخبرتك العملية، واسمك ووضعك الاجتماعي الذي بنيته خلال السنوات الطوال، تجد الرد من صندوق المعاشات أو قانون الموارد البشرية فيما يخص موظفي القطاع الخاص: عليك أن تدفع مليون درهم مقابل ضم سنوات الخدمة العشر، بغض النظر عن قيمة مكافأة سنوات نهاية الخدمة التي حصلت عليها من الشركة، والتي هي 500 ألف درهم فقط، وهكذا.. يبررون لك ووفق المادة 17 من القانون 83، البند الرابع، الفقرة هـ، والمعدل في سنة 1974، يدور رأسك، ولا تعرف ما تقول في تلك المسائل القانونية التي تشبه الألغاز بالنسبة لك، ترضى بالمكافأة، وترضى بأن تضحي بعشر سنوات من الخدمة، ولا تضطر لدفع ضعفها لصندوق المعاشات أو ما يسمى بذلك، وهكذا مشى الحال مع أخينا المواطن الخريج والموظف الكفؤ في كل الشركات الوطنية الثلاث الأخرى التي عمل فيها.
السؤال.. إذا اليوم الحكومة في دولة الإمارات ساهمت في دعم القطاع الخاص، وقدمت ما يمكن أن يرفع من مستوى رواتب المواطنين العاملين فيه، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، والتخطيط للمستقبل فيما يخص الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وتحقيق مستوى أعلى من الخدمات شبه المجانية للشركات والمؤسسات في ذلك القطاع، أليس الأجدر أن تتنبه لبعض القوانين التي وضعت قبل سنوات طويلة عجاف، أيام الإدارات اليدوية القديمة، والتوقيع في دفتر الحضور والغياب، وأيام «راجع الوكيل»، خاصة أن الكثير من أبنائنا سينخرطون في العمل في هذا القطاع، ولا نريد أن يصطدموا بما هو جار بالنسبة لتقاعدهم مستقبلاً، وضمان العيشة الكريمة لهم بعدما يخدمون سنوات طوالاً؟! لا عزاء لهذا المواطن المدير الذي خدم 35 سنة من السنوات السمان، حين كان يستلم 120 ألف درهم في الشهر، والآن راض بنصف هذا الراتب، فقط.. للعيش، بعدما أضاعوا سنوات التقاعد عليه، وأضاعوه، وجعلوه يخرج صفر اليدين من الخدمة الطويلة في القطاع الخاص!