لو لم يكن لك من تراثك سوى رؤية عينيها لكنت اكتفيت، وجلست مثل أصنام الحديقة بانتظار مرورها. ولو أصغيت عميقاً إلى الأبواب التي تهتزُّ في الليل، لأدرك عقلك المرتبك أن يدها كانت تصلُ إلى عتبة بيتك، وأنها كانت تدقُّ كل ليلة على جدرانك الأربعة، لكنك أصمٌّ في الداخل، وغريبٌ عن ذاتك وبعيدٌ عن فهم العالم من حولك. 
لا بأس فهذه حال العاشق. أنت مثل كثيرين، يمر قطار الخيال سريعاً في ذاكرتهم، ولا يعرفون متى يقف أو إلى أين يذهب. وهل المرأة التي ينتظرونها هي رمزٌ لحقيقتها، أم لشيء يتمنونه وهماً وقد لا يصير أبداً. كأن يفكّر فيلسوفٌ أن الحقيقة قد تأتي على شكل امرأة، أو يعتقد الفقير أن الحرية ملكٌ للأثرياء وحدهم. وقد يتطور الأمر إلى اعتقاد البشر بأنهم سيصبحون ملائكة يوماً ما إن ذابوا في الحب وتحررت أرواحهم به وفيه.
ومن حال العاشق، الرجل الذي يقف على البحر منتظراً السفن التي لن تأتي، ليس أنت. والمرأة التي تحملُ صخرة الصبر تاجاً على رأسها ليست أنت. أيها المدللُ بالحيرة، والمجرور جراً في متاهة الأفكار السائبة. يقول لك المهرجون، إن الضحك فلسفةٌ بيضاء، وإن البكاء على ما يفوتك هو ندمٌ متأخرٌ، ندمٌ مرٌّ ولكن عليك أن تتجرعه لتتكشف لك اليقظة. نعم، وسيأتي علماء نفس ويجلسونك في مختبرات الوعي، وربما يقيسون قدراتك على النسيان، ومواهبك في التغاضي والطمس والكتمان. نعم، سيفعلون ذلك مراراً، لكنهم لن يكتشفوا انحيازك إلى فكرة الرفض، وأقصد رفضك أن يتغير المعنى أو ينقلب إلى ضده. كأن يقال لك أنها لن تأتي، وأنك أسير وهمٍ دفينٍ وقلبك مسكونٌ برؤيا غامضة.
وفي حال العاشق، عليك أن تفتح عينيك على اتساعهما لترى لحظة قدومها من جهة الصحراء على شكل ضوء فجر. وعليك أن تغمضهما لتشعر أن الحب ظل سحابة تمر من فوقك، وقريباً ستحملها الريح إلى جنانٍ بعيدة. وإن كنت محظوظاً، سيكتب طلاب المدارس اسميكما على حقائبهم الثقيلة قبل أن يرموها في النهر. نعم، وسيتحدث طلاب الجامعات عن الشجرة التي مرّ من تحتها عشاقٌ كثرٌ وكانت تمسح على رؤوسهم بأغصانها الطويلة ثم تطردهم من لعنة الانتظار تحت ظلالها.
ماذا حدث إذن؟ ستقول لك عيونك إن امرأةً في شكل فكرة ستأتي لك يوماً. وساعتئذٍ عليك أن تُدرك أن الحب مجرد فكرة أيضاً، ولكن وحش النسيان يتربص بها.