أحاول أن أكتب ما يدور في ذهني بشكل صريح ومباشر، ولكن ما يحدث أن خبرتي تجبرني على عدم الإتيان بذلك، فبعض الناس يغضبون من المباشرة، ويرفضون الصراحة، ويبحثون فيك عن التفهم والتعاطف، وهو ما قد لا يتناسب مع الصراحة التي يطلبها الناس أيضاً!
حسناً.. هذه هي الحقيقة التي تكتشفها كلما تقدم بك العمر، وكلما تعمقت علاقاتك وتفرّعت، الحقيقة التي تفيد بأن الحياة أكثر تعقيداً مما نعتقد، ولكي نحياها بشكل سلمي علينا أن لا نكون صريحين ولا مباشرين. نعم سأستخدم النقطة لإنهاء العبارة الأخيرة لأنها حقيقة غير مشروطة.
فالآخرون لا يريدون الصراحة بمفهومها الواضح الصادق، ومن سيقدم على ذلك، إما أن يكون «ساذجاً» يشتكي عِلة ذهنية، وإما صاحب نفوذ مطلق أمام من يواجههم. فأصحاب العلات الذهنية لا يدركون تبعات صراحتهم المطلقة على مصالحهم، التي قد تكلفهم الكثير ومنها حياتهم في أحيان. أما الآخرون فمصالحهم بيدهم، ولذلك لا تهمهم تبعات ذلك على من يصارحونهم.
تبدو فكرة الحاجة للصراحة والصدق غريبة أيضاً، لدى البعض فضول كبير لمعرفة رأي الآخرين فيه، وفي الوقت نفسه لا يقبل ذلك ولا تستوي حياته بما علم من «صراحة». فللأمر تبعات لا حصر لها، وليس أول تلك التداعيات فقدان الثقة في الآخرين، وإنما وقبل كل شيء تزعزع الثقة في النفس، وفي القناعات الشخصية.
عرفت قصة عن رجل أعمال حاول معرفة ما يدور في شركته، فقام بتركيب أجهزة تنصت في مكاتب المديرين الرئيسيين في مكان العمل، وبعد فترة من انهمار قدر كبير من الصراحة عليه، بدأت ثقته بأهله تهتز، فقام بنفس الأمر في منزله ليتسنى له سماع الحوار الذي يدور بين ذويه!
بالتأكيد لم تنتهِ هذه القصة عند استخدام الرجل هذا القدر من الحقائق لإصلاح حياته، التي كانت تسير بشكل جيد أساساً، بل على العكس، إذ دمرت الصراحة ثقته بمن هم حوله وثقته بنفسه تماماً.
الحاجة إلى الصراحة خدعة قدمها لنا آخرون. لعلهم لم يريدوا خداعنا، غير أنهم لم يقدموا مفهوماً أكثر تفهماً للحياة المعقدة التي نعيشها.. والتي بكل «صراحة وصدق» لا تحتاج إلى تلك الصراحة المطلقة.