لا تنتظر، قُم وكن رجلاً وتزوج الشجرة التي أحببتها. وأنتِ، كوني امرأةً وتطلّقي من الخوف، ثم افردي جناحيك فوق الحقول الحالمة وخصّبي أعشاشها المهجورة وحرّكي ذكرياتها الصامتة. وأنتما، كونا واحداً في السرّاء وتعانقا للحظةٍ على الأقل، لأن في اللحظة أبداً كاملاً تستحقّانه. وإن فرّق بينكما عودُ الكبريت، فلا تلعنا النار لأنها في القلبِ حرقةَ فراق، وفي العقل جنوح أفكارٍ لا يذوب صهيلها حتى لو روّضها المتزمتون ومنعوا الشعراء أن يبوحوا بها. اشتعلا إذن، ولا بأس لو احترقتما شفةً بشفةٍ واستيقظ الكلامُ العذبُ تحت لسانيكما. ولا بأس لو تجمهرَ منسيون على مشهد عناقكما وصفقوا طويلاً وصاروا أصناماً بعد ذلك. ما يهمّ حقاً هو أن تعيشا صفة الحب حتى لو لم تدركاه. كأن تهبطا في أرضٍ جرداء فتورق تحت أقدامكما رسائل كثيرة، وتطلقُ البراعم المخنوقة صرختها وتنبتُ ورداً وتنهّدات.
ما يهم حقاً هو الحب. به ترتقي الكلمة لتصير نبضاً في القلب يسمعه الآخر حتى من بعيد. وبه يرمي المتحاربون بنادقهم ويقفزون جميعاً في النهر الذي يربطُ بين البداية والنهاية، وبين الحقيقة وفروعها الألف. هكذا تتجمّلُ الدنيا إن رأى الناسُ عاشقينِ يعبران يداً بيد على جسر المستقبل ولا أحد هناك يوقفهما. وما ستقوله المرأةُ في سرّها سيسمعه الرجلُ شغفاً في قلبه. وما سيكتبه الرجلُ في مذكراته ستكون المرأةُ فانوسه وقمر لياليه. ماذا تنتظران إذن؟ ادفعا قارب الجنوح واتركا التيار يجرفكما للهلاك السعيد. وحين تصلان إلى حافة الأرض، هناك سترفعان أعمدة بيت الحب، وهناك ستنجبان لنا المعاني التي انتظرناها طويلاً. المعاني التي يصير فيها الموت مجرّد سبّورة مطفأة، والخوف مجرد سلاسل وقيودٍ من قطن. نعم، هكذا نتغيّر، لو تغيّر في وجداننا معنى الكلام. وهكذا نقبضُ على زمام الزمن ونمتلك عمرنا وأيامنا بأيدينا.
في البدء كان الحبُّ قطرة ندى سقطت من السماء على صخرةٍ وفلقتها نصفين. ثم جاء نحّاتون استخرجوا منها تمثالين، الأوّل على شكل امرأة واقفة، والثاني في هيئة رجلٍ يجلسُ منتظراً وهو ينظرُ للبعيد. وفي ليلةٍ صافية، هبط ملائكةٌ ومسحوا على الحجرين فانشقّ ضوءٌ منهما وولدت أولاً الكلمة. ومن الكلمة تدفّق نبضٌ خفيفٌ في القلوب الجامدة وعُرف ما يسمى اليوم بـ(الخفقان). نظر الرجل الجالس إلى المرأة الواقفة وأدرك كلاهما أن باتحادهما فقط تتحدُ كلمة الحب وتعود إلى أصلها. وكانت تلك بالطبع بداية كل شيء جميل نراه اليوم.